وأمّا الذين يؤمنون بإرسال الرّسُل وانزال الكتب السماوية من قِبَل الله تعالى فهم يفهمون مسألة ضرورة الحكومة بشكل أوضح وأكثر بياناً ، لأنّهم يؤيدون من جهة ، الأهداف التي من أجلها بُعِثَ الأنبياء والتي ذُكِرَتْ في المصادر اللاهوتية ، إضافة إلى الأدلة العقلية التي تسندها ، ومن جهة أُخرى ، فإنّ الوضع بدون تشكيل الحكومة لا يمكن أن يُطاق أبداً ، فمثلاً إِنَّ مسألة التربية الصحيحة والتعليم وتزكية النفوس وتطهيرها لا يمكن أجراؤها دون وجود الحكومة.
والآن تصوّروا أنَّ جميع المدارس والجامعات في عصرنا الحاضر هي تحت سلطة حكومة علمانية أو أنّها لاتعير أهميّة للقيم الدينية ، وأنَّ وسائل الاعلام كالراديو والتلفزيون والصُّحف تُدار أيضاً من قِبَل نفس النظام ، ثم سعينا عن طريق النصائح والإرشادات أو على الأكثر الاستفادة من المساجد والمنابر لتعليم الناس أهداف ومبادىء الأنبياء والتعليم والتربية الدينية ، فإننا حتماً لن نصل إلى أيّ مردود ، بل ستبقى أنواره ضعيفة في قلوب بعض الاتقياء وهم أقلية ، ولكن متى ما تشكّلت حكومة تبني أساسها على الإيمان والتوحيد والاعتقاد بالله وتؤمن بالمقدّسات وتأخذ أمر هذه المراكز الحساسة على عاتقها ، فإنّ الأمر حينئذٍ سيختلف تماماً.
وبالنسبة إلى موضوع (العدالة الاجتماعية) و (قيام الناس بالقسط) وهما الهدف الآخر فإنّ الأمر يبقى هو هو ، إذ كيف يمكن إقامة القسط والعدل مع وجود حكومة ظالمة تفتقدُ إلى الإيمان والدين أو عميلة ومرتبطة بالاستكبار والاستعمار؟
وباختصار ، فإنّ أيّاً من الأهداف التي جاء من أجلها الأنبياء لا يمكن تحقيق الجزء الأعظم منها إلّابوجود الحكومة ، ولذا نرى أنَّ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله لم يكن ليتمكّن من الوصول إلى الأهداف الإسلامية السامية إلّابعد أن قام بتشكيل الحكومة ، وكذلك الحال مع الأنبياء الآخرين الذين استطاعوا التوصل إلى التوفيق المنقطع النظير بعد أن قاموا بتكوين الحكومة ، بينما ظَلَّ أولئك الأنبياء الذين لم يحققّوا نجاحاً في تشكيل الحكومة مضطهدين من قِبَلِ الطبقات الفاسدة في مجتمعهم.