فإنّه قدسسره عرف ما في ضمير هذا الشّخص ، وكان يكتم ـ مع ذلك ـ عن
الآخرين ؛ حالاته العرفانيّة وما ناله من المراتب المعنويّة العليا إلّا أنّ وجهه
كان يتجلّى منه صفاء نفسه ولطافة روحه وسموّ معناه. وتقول في حقّه قدسسره عائلته الكريمة : كان الفقيه الرّاحل قدسسره ملتزما بالصّلاة في أوّل وقتها ـ وكنّا نقتدي بالصّلاة
خلفه حتّى آخر يوم من حياته ، فصلّينا صلاة الصّبح خلفه قدسسره ـ وقراءة القرآن بصوت حسن وكرامة النّفس وسعة الصّدر
والصّلابة في الدّين والتّواضع وحسن الخلق ، وكان على الوضوء دائما حتّى وقت
الدّرس والمطالعة والنّوم ، وكان يقول قدسسره : «تعلّمت هذه الخصلة من والدي قدسسره».
وأيضا : «منذ أن
عاشرته خلال أربعين سنة ، لم أسمع منه أيّة شكوى من الآلام والمحن الّتي جرت عليه
في السّجن وخارج السّجن ، وكان قدسسره صابرا لوجه الله ، ويوصينا بالصّبر والتّوكّل على الله
تعالى في جميع الحالات ، وإذا نزلت به مصيبة أو محنة كان يواسي الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ويرثى عليهم وتجري دموعه عليهم ويتأسّى بهم صلوات الله
عليهم».
وتقول أيضا : «أنّه
قدسسره كان يفزّ من نومه في منتصف اللّيل ويحزن كثيرا ويتفكّر ،
ولمّا سألته عن سبب ذلك ، كان يقول : تذكّرت القبر والقيامة ، فسلب النّوم من
عيناي ، فذهلت كثيرا».
وهذه الحالة كانت
مستمرّة معه إلى آخر عمره الشّريف ، فهو كما قال الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام في حقّ المتّقين : «فهم والجنّة كمن قد رآها ، فهم فيها
منعّمون ، وهم والنّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون».
وفاته :
قبل وفاة الفقيه
الرّاحل قدسسره بعدّة أيّام ، كانت تظهر كلمات تكشف عن أنّه كان منتظرا
للالتحاق بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله ، نظير ما قاله لبعض أصحابه : «انتهى عمري»
أو «لم يبق من عمري إلّا قليل» إلى أن وافته المنيّة صباح يوم الجمعة الحادي عشر
من شهر جمادي الثّانية عام ١٤٢٢ ه. ق. وكانت وفاته قدسسره صدمة كبرى للعلماء والفضلاء وأهل بيته ، والامّة الإسلاميّة
، وقد بكاه الصّديق والعدو والقريب والبعيد ، لأنّهم فقدوا بوفاته أبا رءوفا ،
ومعلّما عطوفا ، ونجما لامعا ، أضاء سبيل الامّة ، والعلم والعلماء ، وكان آملا
يشجّع المؤمنين والمجاهدين على المضيّ في العلم والعمل. وقد شيّع جثمانه الطّاهر
تشييعا عظيما في عدّة مدن من محافظة مازندران ، ثمّ انتقل جثمانه الشّريف إلى قم
المقدّسة وشيّع تشييعا رهيبا وقد شارك فيه المراجع والعلماء وسائر المؤمنين. وكان
يوم تشيعه إلى مثواه الأخير يوما مشهودا ، ودفن في حرم مضيفته كريمة أهل البيت
السّيّدة معصومه عليهاالسلام بقم المقدّسة.
«وسلام عليه يوم
ولد ويوم ارتحل ويوم يبعث حيّا»