الواقع المقرّر ، وقد تكون موجدة لمعانيها في الوعاء المناسب لها ، والكلّ يشترك في كونها موجبة لإخطار معانيها في الذّهن ولو بالعرض ، ولا دليل على أزيد من ذلك ، ولزوم تقدّم المستعمل فيه غير ثابت لو لم يثبت خلافه (١)».
هذا ، ولكنّ الصّحيح أنّ هذا الوجه ـ أيضا ـ مندفع رأسا بلا حاجة إلى إتعاب النّفس لدفعه ؛ وذلك ، لما عرفت في الجواب عن الوجه الأوّل ، من أنّ الموجود الخارجيّ النّاشي من الاستعمال لا يكون مستعملا فيه ، بل يكون معلولا للاستعمال مسبّبا منه ، وأنّه فرق واضح بين الاستعمال للإيجاد ، وبينه في الإيجاد.
وأمّا جوابه قدسسره عن الوجه الثّالث (استعمال الأدوات الإيجاديّة ، كالنّداء ، في غير ما يكون نداء بالحمل الشّائع ، بداعي التّشوّق ونحوه) فهذا لفظه : «وفيه : أنّ من المحقّق عند العارف بأساليب الكلام ومحاسن الجمل هو أنّ المجاز ليس إلّا استعمال اللّفظ فيما وضع له ، بدواع عقلانيّة من التّمسخر والمبالغة والتّشويق حتّى في مثل إطلاق «الأسد» على «الجبان» ولفظ : «يوسف» على «قبيح المنظر» وإلّا لصار الكلام خاليا عن الحسن ومبتذلا مطروحا ، وعليه ، فالشّاعر المفلق في قوله : «يا كوكبا ما كان أقصر عمره» قد استعمل حرف النّداء في النّداء بالحمل الشّائع وأوجد فردا منه ، لكن بداع آخر من التّضجّر وغيره ، ولكن إرادة الجدّ بخلافه ... ومطلق المجاز يستعمل لفظه في معناه الحقيقيّ بداعي التّجاوز إلى غيره». (٢)
ولا يخفى : أنّ هذا الجواب لا يخلو عن الجودة والمتانة ؛ وذلك ، لما عرفت آنفا ، من أنّ الأدوات الإيجاديّة لا تستعمل في الإيجاد أو الموجود الخارجيّ ، وإنّما تستعمل
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٦.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٧.