فتحصّل : أنّ هذه الامور الثّلاثة لا ترد على الوجه الأوّل الّذي أورده المحقّق العراقي قدسسره على إيجاديّة الحروف.
والتّحقيق يقتضي أن يجاب عنه : بأنّ الألفاظ الإيجاديّة لم تكن موضوعة للموجود الخارجيّ حتّى يقال : بعدم معقوليّة حضوره في الذّهن ، بل إنّما هي موضوعة للإنشاء والإيجاد ، فحروف النّداء وضعت لإيجاده ، وكذا حروف القسم وغيرها من سائر الحروف الإيجاديّة.
والفرق بين الاستعمال للإيجاد في الخارج ، وبين الاستعمال في الموجود الخارجيّ واضح جدّا. ألا ترى ، أنّ لفظ : «بعت» مثلا ، من الألفاظ الإنشائيّة يكون آلة لإنشاء البيع وإيجاد العلقة الملكيّة ، لا أنّه مستعمل في الملكيّة الموجودة في عالم الاعتبار ، وكذا لفظ : «أنكحت» حيث إنّها لم توضع للزّوجيّة الموجودة في عالم الاعتبار ، بل وضعت لإيجاد الزّوجيّة وإنشاءها.
وبالجملة : فرق واضح بين الاستعمال للإيجاد والوجود ، وبينه في الإيجاد والوجود ، وفرق بين كون الموجود المنشأ مستعملا فيه ، وبين كونه معلولا للاستعمال ، فالنّسبة بين الاستعمال والموجود الخارجيّ في الحروف الإيجاديّة نسبة العلّة والمعلول ، لا نسبة المستعمل والمستعمل فيه ، وعليه ، فإيراد المحقّق العراقي قدسسره منتف رأسا ، فلا حاجة إلى إتعاب النّفس لدفعه.
هذا كلّه فيما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره في الجواب عن الوجه الأوّل (من الوجوه الثّلاثة الّتي أوردها المحقّق العراقي قدسسره على إيجاديّة الحروف).
وأمّا جوابه قدسسره عن الوجه الثّاني (لزوم تقدّم المستعمل فيه على الاستعمال وتأخّره عنه في زمان واحد) فقال : «والحاصل أنّ الألفاظ قد تكون حاكيات عن