للإنشاء والإيجاد ، إلّا أنّ الدّواعي لهذا المعنى مختلفة.
ثمّ إنّ المحقّق العراقي قدسسره بعد الإيراد على القول بإيجاديّة الحروف ـ على ما تقدّم تفصيله ـ قال في توضيح مختاره (إخطاريّة معانى الحروف) : ما محصّله : إنّ مداليل الحروف تمتاز عن مداليل الهيئات من وجه وتشترك معها من وجه ، أمّا الاشتراك فلكون مدلول كلتيهما معنى نسبيّا قائما بالطّرفين.
وأمّا الامتياز ، فلأنّ مداليل الحروف قسم من الأعراض النّسبيّة المعبّر عن وجودها ووجود بقيّة الأعراض النّسبيّة ب «الوجود الرّابطيّ».
وأمّا مداليل الهيئات ، فليس إلّا مجرد ربط الأعراض بموضوعاتها المعبّر عنه ب «الوجود الرّابط» ففي الجمل المشتملة على الحروف تتحقّق الدّلالة على الوجود الرّابطيّ ، وعلى الوجود الرّابط بالهيئات الطّارئة على الجملة ، خلافا لما عليه جماعة من الحكماء ومنهم صدر المتألّهين قدسسره وتبعه عليه بعض الأصوليّين ، من أنّ مدلول الحرف والهيئة شيء واحد وهو الوجود الرّابط. (١)
وفيه : أوّلا : أنّه لو كانت المعاني الحرفيّة من الأعراض النّسبيّة ، لكانت مستقلّة تامّة الماهيّة غير تامّة الوجود ، كالأعراض ، فتصلح حينئذ أن تقع محكوما عليها وبها ، مع أنّها ليست كذلك.
وبعبارة اخرى : أنّ القول بكون المعاني الحرفيّة من الأعراض النّسبيّة والوجودات الرّابطيّة ، ليس إلّا نفس القول بكونها مستقلّة في صقع المفهوم ونشأة الذّهن وإن كانت غير مستقلّة في صقع الوجود ونشأة العين.
__________________
(١) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٥٠ و ٥١.