(الجهة الرّابعة : مقدّمة الواجب)
لا بدّ قبل الورود في البحث عن مقدّمة الواجب من تقديم امور :
(الأمر الأوّل : تحرير محلّ النّزاع)
فنقول : لا نزاع في أنّ العقل يحكم بوجوب مقدّمة الواجب ، وهذا ممّا لا سبيل إلى إنكاره ، بل هو ثابت حتّى عند منكري الحسن والقبح العقليّين ؛ وذلك ، لأنّ العقل مستقلّ بأنّه لا بدّ من إتيانها امتثالا لأمر المولى وقياما لوظيفة العبوديّة.
إنّما النّزاع في حكم الشّرع بوجوبها ، لكن لا مطلقا ، بل خصوص وجوبها الغيري ؛ إذ الوجوب النّفسي ، وكذا الطّريقي لا يتصوّر في مثل المقدّمة.
أمّا النّفسي ، فلعدم مصلحة نفسيّة فيها كي تستتبع لهذا النّحو من الوجوب.
أمّا الطّريقى ، فلأنّ الغرض منه تنجيز الواقع عند الإصابة فيتوقّف تنجيزه على إصابة الطّريق.
ومن المعلوم : أنّه لا يتوقّف على المقدّمة شيء ، بل يعكس الأمر هنا ؛ إذ المفروض ، أنّ وجوب المقدّمة يتوقّف على وجوب ذيها دون العكس.
وعليه ، فالمقصود من وجوب المقدّمة في مورد النّزاع ، هو وجوبها الغيري ، لا النّفسي والطّريقي ، كما أنّ المقصود من وجوبها فيه ـ أيضا ـ هو خصوص الوجوب التّبعي ، لكن بأحد المعنيين.