هذا ، ولكن ذهب الإمام الرّاحل قدسسره إلى استحالته ، وقال في وجهه ، ما محصّله :
إنّ المفهوم سواء كان كلّيّا أو جزئيّا ، عامّا أو خاصّا ، لا يحكي إلّا عمّا هو بحذائه ، فلا يحكي العامّ إلّا عن العموم ، لا عنه وعن الخصوص ، أو عن الخصوص فقط ، كما لا يحكي الخاصّ عن العموم ، على ما سيجيء في القسم الرّابع.
وبعبارة اخرى : إنّ اللّفظ يحكي عن مفهومه ، والمفهوم يحكي عمّا هو مصداقه المحقّق أو المفروض المقدّر ، كمفهوم العدم أو اللّاشيء أو نحوهما ، وعليه ، فلا يحكي الكلّي عن أفراده ، ولا العام عن الخاصّ : إذ الخصوصيّات الفرديّة وإن كانت متّحدة مع الكلّي والعام وجودا ، إلّا أنّها تغايره عنوانا ومفهوما ، ألا ترى ، أنّ الإنسان ـ مثلا ـ لا يحكي إلّا عن حيثيّة الإنسانيّة الجامعة المشتركة ، لا الخصوصيّات الفرديّة والمشخّصات الخاصّة من الطّول والقصر واللّون والسّمن والهزال ونحوها.
نعم ، هذه الخصوصيّات متّحدة مع الكلّي وجودا ، وهذا ممّا لا ينكر ، إلّا أنّ هذا المقدار من الاتّحاد لا يكفي في الدّلالة والحكاية ؛ لوضوح أنّ الحكاية متفرّع على دخول المحكيّ في المعنى واندراجه تحت الموضوع له.
ومن هنا ، لا تحكي الأعراض عن الجواهر ، مع كونها متّحدة معها في الوجود الخارجي ، وكذا المحمولات لا تحكي عن الموضوعات ، مع اتّحادهما في الخارج.
وبالجملة : إنّ الحكاية تدور مدار الوضع ودخول المحكي في الموضوع له ، لا مدار الاتّحاد في الوجود الخارجي ، فالقول بالانتقال من العامّ إلى مصاديقه غير سديد. (١)
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٨.