وعلى هذا فالضمير
في قوله تعالى : (مِثْلِهِ) عائد إلى قوله تعالى : (مِمَّا نَزَّلْنا) ويكون تعجيزا بالقرآن نفسه وغرابة اسلوبه وبيانه.
ويمكن أن يكون
الضمير راجعا إلى قوله : (عَبْدِنا) فيكون تعجيزا بالقرآن ؛ من حيث إنّ الذي جاء به رجل امّي
لم يتعلّم من معلّم ، ولم يتلقّ شيئا ـ من هذه المعارف العجيبة العالية ، والبيانات
الغريبة المتقنة ـ من أحد من الناس ، فتكون الآية نظيرة قوله تعالى : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ
عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا
تَعْقِلُونَ).
وقد ورد التفسيران
جميعا في بعض الأخبار.
وهذه الآية ـ كنظائرها
ـ تعطي إعجاز أقصر سورة من القرآن ؛ كسورة الكوثر وسورة العصر ... وهكذا ؛ وما
ربّما يحتمل من رجوع ضمير (مِثْلِهِ) إلى نفس السورة ـ كسورة البقرة ، أو سورة يونس مثلا ـ يأباه
الفهم المستأنس بأساليب الكلام ؛ إذ من يرمي القرآن بالافتراء على الله إنّما
يرميه جميعا ، ولا يخصّص قوله بسورة دون سورة ، فلا معنى لردّه بالتحدّي بسورة
البقرة أو سورة يونس ؛ لرجوع المعنى حينئذ إلى مثل قولنا : «وإن كنتم في ريب من
سورة الكوثر أو الإخلاص مثلا ، فأتوا بسورة مثل سورة يونس» وهو بيّن الاستهجان.
وأمّا الصّرف ـ الذي
قال به بعضهم في إعجاز القرآن ـ فأمر يستفاد من هذه الآيات خلافه ، فتدبّر.
قوله سبحانه : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)
سوق الآيات من
أوّل السورة ، وإن كانت في المتّقين والكافرين والمنافقين
__________________