أقول : والوجه في هذه الأحاديث وأشباهها الواردة في الآداب ظاهر ، فهي امور تقرّب العبد من حقيقة الدعاء ، وقد عرفت ما هو حقيقته من مطاوي ما تقدّم ، وهي إعلام الداعي وجه حاجته للمدعوّ ، وإذا كان الله سبحانه عالما بحقائق الاحتياجات ـ غير ممكن في حقّه الإعلام المستلزم للجهل السابق ـ فالدعاء له قيام الممكن في مقام الحاجة إلى رحمته الواسعة.
وبذلك ظهر : أنّ الدعاء يعمّ الواقعيّات التكوينيّة وغيرها ، وكذلك الإجابة ، فكلّ اقتضاء ذاتي للممكن دعاء ، وكلّ إفاضة من الحقّ سبحانه إجابة ، كما يشير إليه قوله : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) وقوله تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ). (٢)
وبذلك يظهر : أنّ العبادة ـ وهي كما عرفت قيام المملوك أمام مالكه في مقام المملوكيّة ـ دعاء ، كما يشير إليه قوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٣) وقوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٤) إذا ضمّ إلى قوله : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ). (٥)
وقد ظهر بذلك أيضا : أنّ الدعاء والعبادة متلازمان من حيث الصدق ، وقد مرّت إليه إشارة.
هذا جملة القول في الدعاء ، والروايات في المضامين السابقة كثيرة إلى الغاية ، وقد أوردنا من كلّ باب انموذجه ، والله الهادي.
__________________
(١). الرحمن (٥٥) : ٢٩.
(٢). ابراهيم (١٤) : ٣٤.
(٣). غافر (٤٠) : ٦٠.
(٤). الذاريات (٥١) : ٥٦.
(٥). الفرقان (٢٥) : ٧٧.