ما جعله منقبة فيه عليهالسلام حتّى عظّم الله قدره ورفع ذكره ، إذ قال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا* وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (١) فليس ذلك إلّا أنّ الميزان ـ الذي وزن به هذا العمل ـ غير الذي بيد العقل العادي ، وهو الغاية التي عرفت وصفها ، فللعقل المشهوري تربية بتدبيره ، ولله سبحانه تربية لأوليائه بتأييده ، وكلمة الله هي العليا. وأمثال هذه القضايا كثيرة مأثورة عن الأنبياء والأئمّة والأولياء.
فإن قلت : كيف يمكن الاختلاف بين العقل والشرع فيما للعقل إليه سبيل؟ وكيف يمكن أن يتحقّق له خطأ من غير صواب؟
قلت : أمّا الإدراك من حيث إنّه إدراك فكذلك ، لكنّه يستدعي موضوعا يقع عليه حكم العقل ، وقد عرفت أنّ هذا النوع من العلوم لا تبقي للعقل موضوعا يحكم عليه بحكمه ، وهذا سبيل المعارف الإلهيّة. فهذا ملخّص الكلام في هذا المقام ، ولنرجع إلى بدء القول في الآية :
روى السيّد الرضيّ في الخصائص عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ قال ـ وقد سمع رجلا يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ : «يا هذا ، إنّ قولنا : (إِنَّا لِلَّهِ) إقرار منّا بالملك ، وقولنا : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار منّا بالهلاك». (٢)
أقول : قد اتّضح معناه بما مرّ ، ورواه في الكافي مفصّلا.
وروى في الكافي عن إسحاق بن عمّار وعبد الله بن سنان عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : قال الله ـ عزوجل ـ : إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضا ، فمن أقرضني فيها قرضا أعطيته بكلّ واحدة
__________________
(١). مريم (١٩) : ٥٤ ـ ٥٥.
(٢). خصائص الأئمّة : ٩٥.