أن يترك فيه ثغرة
إلّا ويشبعها بحثا وتحقيقا.
ومنها : اتّصافه بصفة التجديد ، فتراه لا يمرّ بمطلب دونما إضافة
وإبداع ، يثري بها بحثه.
ومنها : اتّخاذه للتخصّص شعارا في بحوثه رغم كثرتها وتفاوتها
وعمقها ، والتخصّص مرتبة أعلى من الاطّلاع الواسع كما لا يخفى.
ومنها : الوضوح في كلّ مفردة من مفردات بحثه ، بل إنّه ليتعجّب
الناظر في كتاباته من قدرته الفائقة على اكتشاف الارتباط القائم بين المسائل
المتشتّتة ومن ثمّ الاستفادة من ذلك الارتباط في تنضيج العلم.
وبالجملة : كانت هذه الخصائص والصفات ظواهر لا تنفكّ عن بحوثه
وتأليفاته.
ومنها : تميّزه ـ بالإضافة الى ما تقدّم ـ بتسلّطه على التنظير
وإعطاء النظريّة مع نقد نظريّات الآخرين وتفنيدها.
وهذه الميزة هي
الأصعب ؛ إذ ليس كلّ من استطاع أن يحوي ما تقدّم قادرا على ذلك.
ومنها : جمعه بين جوانب الغزارة في العلم ، والانهماك في التطبيق
، والإخلاص في العمل ، والشفّافيّة في الخلق ، فهو الرجل الكامل الذي كلّما وضعت
يدك على جانب وخصلة لم تر غير ما هو الأفضل والأعلى والأرقى في بابه.
ومنها : صفة القدرة على عدم صبغ كتاباته في كلّ مجال يخوض فيه
بصبغة مجال آخر ، فرغم كونه الفيلسوف الأكبر لم يحاول أن يبدي على تأليفاته ـ غير
المربوطة بالفلسفة ـ صبغة فلسفيّة ، فهو ـ قدسسره ـ في كلّ فنّ يلبس اللباس الذي يقتضيه ذلك الفنّ لا غير
دونما تأثّر.