وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) ، (١) فإنّ وجه الكلام إليهم ، وإن كانت الكفّار أو بعضهم قالوا : إنّ الملائكة بنات الله ، (٢) وإنّما قالوا هذه الكلمة ـ أوّل ما قالوا ـ تشريفا لأنبيائهم ، كما قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٣) ثمّ تلبّس لباس الجدّ والحقيقة.
فردّ الله سبحانه عليهم في هاتين الآيتين : أنّ ولد الشيء إنّما هو بأن يجزّىء الشيء بعض أجزاء وجوده ويفصله ، فيربّيه فردا من جنسه على مثاله ، وهو سبحانه منزّه عن الأجزاء ، وكلّ شيء سواه مملوك له في ذاته ، فقير إليه في وجوده ، قانت خاضع له خضوعا ذاتيّا ، فلا يجانسه شيء (سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ).
وأيضا : هو سبحانه إذا أراد أمرا وقضى شيئا لم يتوصّل إليه توصّلا تدريجيّا كالتربية ونحوها ، بل شأنه الإيجاد ابتداءا ودفعة ، فلا يوجد له ولد (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
ففي الآيتين برهانان ، وإن أمكن تقريبه أزيد من برهانين ، وهو ظاهر.
ويستفاد من الآيتين :
أوّلا : شمول حكم العبادة والقنوت لجميع المخلوقات.
وثانيا : أنّ فعله سبحانه غير تدريجيّ ، فكلّ موجود تدريجيّ فله وجه غير تدريجيّ به يصدر عنه سبحانه ، كما قال : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
__________________
(١). التوبة (٢) : ٣٠.
(٢). راجع : الاحتجاج ٢ : ٤٣١ ؛ تفسير الفرات : ٦١٧ ، ٧٧٣ ؛ تفسير القمّي ١ : ١٥٢ ، ٣٨٥ ؛ ٢ : ٢٠ ، ٣٠ ، ٢٢٦ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٣٣٢ ؛ عيون الأخبار الرضا ـ عليهالسلام ـ ١ : ٢٠٢ ، الحديث : ١.
(٣). المائدة (٥) : ١٨.