والإستبرق وهو الحرير السميك المبطن ، وقد حلّوا أساور من فضّة ؛ وتدرج نعيمهم في الارتقاء إلى مدارج الكمال ، حتى (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ) [الآية ٢١] وأضاف السقي إلى ذاته للتشريف والتخصيص ، (شَراباً طَهُوراً) (٢١) مبالغة في طهارته ونظافته بخلاف خمر الدنيا. فهو عطاء كريم من معط كريم ، وهذه تضاف إلى قيمة ذلك النعيم.
[الآية ٢٢] : ثم ختم وعدهم بالود والتكريم ، فقال جلّ وعلا : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (٢٢). أي يقال لهؤلاء الأبرار هذا القول ، زيادة في سرورهم ، إنّ هذا الذي أعطيناكم من الكرامة ، كان ثوابا على أعمالكم الصالحة ، وكان عملكم في الدنيا مشكورا ، حمدكم عليه ربّكم ورضيه لكم ، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة.
وهذا النطق من الملأ الأعلى ، يعدل هذه المناعم كلّها ، ويمنحها قيمة أخرى فوق قيمتها ، لأنّها جزاء على عمل ، وثواب لإنسان اختار الهدى والطريق المستقيم والعمل الصالح ، فاستحقّ النعيم والتكريم.
[الآية ٢٣] : وبعد أن بيّن الله سبحانه ما في الجنّة من نعيم ، ذكّر نبيّه بنعمة الرسالة تسلية لفؤاده ، وحثّا له على الصبر والثبات ، فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (٢٣) : إنّ القرآن من عند الله أنزله منجّما مفصلا ، في ثلاث وعشرين سنة ، ليكون أسهل لحفظه وتفهمه ودراسته ، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجد في الكون ، فتكون تثبيتا لإيمان المؤمنين وزيادة في تقوى المتقين.
[الآية ٢٤] : اصبر على أمر الله واثبت على الحق ، ولا تتبّع أحدا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم ، ولا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر ؛ إنّ الأمور مرهونة بقدر الله ، وهو يمهل الباطل ويملي للشر ، كلّ أولئك لحكمة يعلمها ، يجري بها قدره ، وينفذ بها حكمه. (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٢٤). ونهيه (ص) عن طاعة الإثم والكفور ، وهو لا يطيع واحدا منهما ، إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد ، لما ركّب في طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيّئات ، وأن أحدا لو استغنى عن توفيق الله وإرشاده لكان