المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الحج» (١)
قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (١).
وهذه استعارة. لأن حقيقة الزلزلة هي حركة الأرض على الحال المفزعة. ومثل ذلك قولهم : زلزل الله قدمه. وكان الأصل : أزلّ الله قدمه. بمعنى أزالها عن ثباتها واستقامتها ، وأسرع تعثرها وتهافتها. ثم ضوعف (٢) ذلك ، فقيل : زلزل الله قدمه. كما قيل : دكّه الله ، ودكدكه. فالمراد بزلزلة الساعة ـ والله أعلم ـ رجفان القلوب من الخوف ... وزلات الأقدام من روعة موقعها. ويشهد بذلك قوله سبحانه : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [الآية ٢] يريد تعالى من شدة الخوف والوجل ، والذهول والوهل.
وفي قوله سبحانه : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٥) استعارة. لأن المراد هاهنا باهتزاز الأرض ، والله أعلم ، تشبيهها بالحيوان الذي همد بعد حراكه ، وخشع بعد إشرافه ، لعلّة طرأت عليه ، فأصارته إلى ذلك ، ثم أفاق من تلك الغمرة ، وصحا من تلك السّكرة ، فتحرك بعد هموده وركوده. وكذلك حال الأرض إذا أماتها الجدب ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). التضعيف في تصريف الأفعال معروف مثل : زلزل في زل ، وصلصل في صل.