المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «العنكبوت» (١)
قوله سبحانه : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥).
وهذه استعارة لأن لقاء الله سبحانه على الحقيقة ، لا يصحّ ، وإنما المراد لقاء حسابه ، ولقاء جزائه وثوابه ، أو لقاء الوقت ، الذي جعله سبحانه وقت توفية الجزاء ، على أعمال العاملين ، وتوفير الأعواض على المعوّضين ، وعلى ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦) [البقرة]. وكلّ ما ورد في القرآن من ذكر لقاء الله تعالى ، فالمراد به المعنى الذي ذكرناه والله أعلم ؛ ومن كلام العرب : لقينا خيرا ولقينا شرّا ، وليس شيء من ذلك ممّا يرى بعين ، ولا يواجه بوجه ، وإنّما المراد أصابنا هذا ، وأصابنا هذا.
وقوله سبحانه : (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [الآية ١٧].
وهذه استعارة ، والمراد أنّكم خلقتم من الأصنام صورا ، أي قدّرتموها على اختياراتكم ؛ وأصل الخلق التقدير ، ثمّ جعلتموها آلهة تعبدونها ؛ والإله المعبود ، إنّما هو الخالق لا المخلوق ، والصانع لا المصنوع ؛ فكأنّه سبحانه قال : إنّكم جعلتم كذبا من الإله تعبدونه من دون الله ، والإفك هاهنا هو الكذب ، وقال بعضهم معنى تخلقون إفكا أي تصنعون الكذب ، على مواقع
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.