المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «النور» (١)
... وقوله سبحانه : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤). وهذه استعارة على أحد التأويلات الثلاثة ، وهو أنه سبحانه يجعل في الأيدي التي بسطت إلى المحظورات ، والأرجل التي سعت إلى المحرمات ، علامة تقوم مقام النطق المصرّح ، واللسان المفصح ، في الشهادة على أصحابها ، والاعتراف بذنوبها.
فأما شهادة الألسنة ، فقد قيل إن المراد بها إقرارهم على نفوسهم بما واقعوه من المعاصي ، إذ علموا أن الكذب لا ينفعهم ، والجحود لا يغني عنهم. وليس ذلك بمناقض لقوله سبحانه : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٦٥) [يس] ، لأنّه قد قيل في ذلك : إنه جائز أن تخرج ألسنتهم من أفواههم ، فتنطق بمجرّدها ، من غير اتصال بجوزاتها ولهواتها. فيكون ذلك أعجب لها ، وأبلغ في معنى شهادتها. ويختم في تلك الحال على أفواههم.
وقيل : يجوز أن يكون الختم على الأفواه ، إنما هو في حال شهادة الأيدي والأرجل ، بعد ما تقدّم من شهادة الألسن.
وأمّا التأويلان الآخران ، في معنى شهادة الأيدي والأرجل ، فالكلام
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.