وأهمدها المحل ؛ ثم حالها إذا نضحها الغيث بسجاله ، وبلّها القطر ببلاله ، واهتزت بالنبات ناضرة ، ورطبت بعد الجفوف متزيّنة (١). ذلك تقدير العزيز العليم.
وقوله سبحانه : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الآية ٩] استعارة. والمراد بها ، والله أعلم ، الصفة بالإعراض عن سماع الرشد ، وليّ العنق عن اتباع الحق. لأن المستقبل لسماع الشيء الذي لا يلائمه في الأكثر يصرف دونه بصره ، ويثني عنه عنقه. والعطف : جانب القميص ، وبه سمّي شق الإنسان عطفا ، لأن منه يكون ابتداء انعطافه ، وأول انحرافه. ومثل ذلك قوله سبحانه : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) [الإسراء : ٨٣ وفصّلت : ٥١].
وفي قوله سبحانه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الآية ١١] استعارة. والمراد بها ، والله أعلم ، صفة الإنسان المضطرب الدين ، الضعيف اليقين ، الذي لم تثبت في الحق قدمه ، ولا استمرت عليه مريرته ، فأوهى شبهة تعرض له ينقاد معها ، ويفارق دينه لها ، تشبيها بالقائم على حرف مهواة. فأدنى عارض يزلقه ، وأضعف دافع يطرحه.
وفي قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) [الآية ١٨] استعارة.
والمراد ، والله أعلم ، بسجود الشمس والقمر والنجوم والشجر ، وما ليس بحيوان مميز ، ما يظهر فيه من آثار الخضوع لله سبحانه ، وعلامات التدبير ، ودلائل التصريف والتسخير ، فيحسن لذلك أن يسمّى ساجدا على أصل السجود في اللغة ، لأنه الخضوع والاستكانة. أو يكون ذلك على معنى آخر ، وهو أن الذي يظهر في الأشياء التي عدّدها ، من دلائل الصنعة ، وأعلام القدرة ، يدعو العارفين الموقنين إلى السجود ، ويبعثهم على الخضوع ، اعترافا له سبحانه بالاقتدار ، وإخباتا له بالإقرار. وذلك كما تقدّم من قولنا في تسبيح الطير والجبال.
__________________
(١). في الأصل «متزيّلة».