وثلاثين عاما ، وقد صنعه الله سبحانه على عينه ، فصار يتأمّل في هذا الكون ، ويبتعد عن حاشية فرعون ؛ ودخل العاصمة في فترة الظهيرة ، فرأى قبطيّا يعمل طبّاخا في قصر فرعون ، يتشاجر مع إسرائيليّ (١) فاستغاث به الإسرائيلي ، فضرب موسى القبطيّ بجمع يده ، فوقع جثّة هامدة ؛ وندم موسى على ذلك ، واستغفر الله وتاب إليه.
وتربّص قوم فرعون بموسى (ع) ليقتلوه ، فانتدبت يد القدرة واحدا منهم ، يكتم إيمانه عنهم ، وجاء لموسى ، وقال له كما ورد في التنزيل :
(إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (٢٠).
خرج موسى (ع) هاربا ، مهاجرا ، متّجها إلى أرض مدين ، وحيدا ، فريدا ، فآواه الله ورعاه ؛ وتعرّف هناك على نبي الله شعيب (ع) وتزوّج بابنته ، ومكث هناك عشر سنين ؛ ثمّ عاوده الحنين إلى مصر ، فجاء إليها عبر سيناء ، وعند الشجرة المباركة ، ناداه لله أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ، وامتنّ الله سبحانه عليه بالرسالة ، وأيّده بالمعجزات.
موسى مع فرعون
عاد موسى إلى فرعون مرّة أخرى ، يدعوه إلى الإيمان بالله ويقدّم له الأدلّة العقلية ، والمعجزات الظاهرة. ولكنّ فرعون طغى وتجبّر ، وكذّب ، وعصى ، فأهلكه الله ، وأخذه نكال الاخرة والأولى ، إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى.
* * *
الحلقة الجديدة في القصة
عنيت سورة القصص ، بإبراز حلقة ميلاد موسى (ع) وتربيته في بيت فرعون ؛ وهي حلقة جديدة في القصّة ، تكشف عن تحدّي القدرة الإلهية للطغيان والظلم ، وفيها يتجلّى عجز قوّة فرعون وحيلته وحذره ، عن دفع القدر المحتوم ، والقضاء النافذ.
لقد ولد موسى (ع) في ظروف قاسية في ظاهرها ، فصاحبته رعاية الله وعنايته ، في رضاعه وفي نشأته وفتوّته ،
__________________
(١). نسبة إلى نبي إسرائيل في زمن موسى (ع).