بها أمر ثابت مستقر ؛ وهذه الواو هي التي أذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم ، قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ، ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم ، والدليل عليه أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله (رَجْماً بِالْغَيْبِ) [الآية ٢٢] وأتبع القول الثالث قوله سبحانه (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) [الآية ٢٢]. وقال ابن عباس : وقعت الواو لقطع العدد : أي لم يبق بعدها عدد يلتفت إليه ، ويثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والبتات. وقال الثعلبي : هذه واو الحكم والتحقيق ، كأنّ الله تعالى حكى اختلافهم ، فتمّ الكلام عند قوله سبعة ، ثم حكى بأنّ ثامنهم كلبهم باستئنافه الكلام ، فحقّق ثبوت العدد الأخير لأن الثامن لا يكون إلا بعد السبعة ، فعلى هذا يكون قوله (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الآية ٢٢] من كلام الله تعالى حقيقة أو تقديرا. ويردّ على هذا ، أن قوله تعالى بعد هذه الواو : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) [الآية ٢٢] وقوله تعالى : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) [الآية ٢٢] يدل على بقاء الإبهام وعدم زوال اللبس بهذه الواو.
فإن قيل : لم قال تعالى : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [الآية ٢٧] وقال في موضع آخر (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) [النحل : ١٠١] ويلزم من تبديل الآية بالآية ، تبديل الكلمات فكيف الجمع بينهما؟
قلنا : معنى الأول لا مغيّر للقرآن من البشر ، وهو جواب لقولهم للنبي (ص) : ائت بقرآن غير هذا أو بدّله. الثاني : أنّ معناه لا خلف لمواعيده ولا مغيّر لحكمه ، ومعنى الثاني النسخ والتبديل من الله تعالى فلا تنافي بينهما.
فإن قيل : قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الآية ٢٩] إباحة وإطلاق للكفر؟
قلنا : قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : معناه : فمن شاء ربكم فليؤمن ومن شاء ربكم فليكفر ، يعني لا إيمان ولا كفر إلّا بمشيئته. الثاني : أنّه تهديد ووعيد. الثالث : أنّ معناه لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرّونه بكفركم ، فهو إظهار للغنى ، لا إطلاق للكفر.
فإن قيل : لبس الأساور في الدنيا عيب للرجال ، ولهذا لا يلبسها من يلبس الذهب والحرير من الرجال ، فكيف وعدها الله سبحانه المؤمنين في