كانتا رتقا ففتقهما ، إلى غير هذا مما ذكره من الأدلة على هذه الوحدانيّة.
ثمّ رجع السياق إلى ما ذكروه ، من أنه بشر مثلهم ، فذكر سبحانه أنه لم يجعل لبشر من قبله الخلد حتّى يجعله بشرا لا يأكل الطعام ولا يموت ؛ فهو يموت كما يموتون ، وكلّ نفس لا بدّ أن تذوق الموت. ثم ذكر ممّا يفعلونه في غفلتهم عن يوم حسابهم ، أنهم كانوا حينما يرون النبيّ (ص) يقولون مستهزئين كما ورد في التنزيل : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) [الآية ٣٦] ، ماضين في غفلتهم عمّا ينزّل عليهم من الذّكر ، مغترّين بإمهال الله لهم ، مستعجلين ما اقترب من يوم حسابهم ؛ ثمّ ذكر أنّ هذا الاستعجال شأن الإنسان ، لأنه خلق من عجل ، وأنه سيريهم آيات عذابه في وقت لا تتقدّم عليه ؛ ثم ذكر هذا الاستعجال المذموم ، وهو قولهم على سبيل الاستهزاء كما ورد في التنزيل : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨). ولو يعلمون أنّهم في ذلك اليوم ، تحيط بهم النار من كلّ ناحية ، لكفّوا عن استعجالهم ؛ ثم ذكر أنّه إنّما ينذرهم بالوحي الذي لا يكذّب ، وأنّهم إذا مسّتهم نفحة من العذاب الذي ينذرون به ينادون بالويل ، ويعترفون بأنهم كانوا ظالمين ؛ ثم ذكر أنّ ما ينزل بهم من ذلك يكون عدلا ، لأنّه لا يكون إلّا بعد حساب توزن فيه الأعمال (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧).
قصص الأنبياء
الآيات (٤٨ ـ ٩١)
ثم قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨) فذكر من أولئك الأنبياء موسى وهارون (ع) وأنّه آتاهما الفرقان ، وهو التّوراة لأنّها تفرق بين الحق والباطل ؛ وأنّه سبحانه أنزل القرآن ، يزيد عليها في ذلك ، فلا يصحّ أن ينكروه.
ثم ذكر أنه آتى إبراهيم (ع) الرّشد إلى الحق ، قبل موسى وهارون (ع) فأنكر على قومه عبادة الأصنام ، وبيّن لهم أنّ ربهم ربّ السماوات والأرض ، لأنّه هو الذي خلقها ؛ ثم بيّن ، بالعمل ، أن هذه الأصنام ليست بالهة ، فذهب في خفية إليها فكسّرها وترك صنما كبيرا لهم فلم يكسره. فلمّا ذهبوا