المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «مريم» (١)
قال تعالى : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (٨).
قوله تعالى (عِتِيًّا) (٨) أي : اليبس والجساوة في المفاصل والعظام ، كالعود القاحل يقال : عتا العود وعسا من أجل الكبر والطّعن في السن العالية.
والفعل «عتا يعتو» مصدره عتوّ وعتيّ بمعنى استكبر وجاوز الحدّ وقرئ «عتيّا» بضم العين.
ومنه أيضا قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩).
أقول : وكأنّ بين اليبس والجساوة في المفاصل والعظام ، وبين الاستكبار وتجاوز الحد قرابة ؛ وبشيء من اللطف ، يصار من هذه الى تلك.
٢ ـ وقال تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (٩).
قوله تعالى (ولم تك) حذف النون للتخفيف ، وذلك إذا وليها حرف ذو حركة ، فإن كان ساكنا امتنع الحذف ؛ وقد ورد في الشعر ضرورة ، ومنه قول الشاعر :
إذا لم تك المرآة أبدت محاسنا |
|
فقد أبدت المرأة جبهة ضيغم |
ومثل الآية قوله تعالى أيضا :
(وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (٢٠).
٣ ـ وقال تعالى : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) [الآية ٢٣].
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «من بديع لغة التنزيل» ، لإبراهيم السّامرّائي ، مؤسسة الرسالة العربية ، بيروت ، غير مؤرخ.