الجنة ، في قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الآية ٣١]؟
قلنا : كانت عادة ملوك الفرس والروم لبس الأساور والتيجان مخصوصين بها دون من عداهم ، فلذلك وعدها الله تعالى المؤمنين لأنهم ملوك الاخرة.
فإن قيل : لم أفرد لفظ الجنة بعد التثنية ، في قوله تعالى : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) [الآية ٣٥]؟
قلنا : أفردها ليدل على الحصر ، معناه : ودخل ما هو جنته ، لا جنة له غيرها ولا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون ، بل ما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ، ولم يقصد جنّة معينة منهما ، بل جنس ما كان له.
فإن قيل : لم قال الأخ المؤمن لأخيه ، كما ورد في التنزيل (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) (٣٨) وهذا تعريض بأنّ أخاه مشرك ، وليس في كلام أخيه ما يقتضي الشّرك ، بل الكفر ، وهو قوله ، كما ورد في القرآن ذلك حكاية عنه (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) [الآية ٣٦]؟
قلنا : إشراك أخيه الذي عرض له به ، هو اعتقاده أنّ زكاة جنّته ونماءها بحوله وقوّته ، ولهذا قال له ، كما ورد في التنزيل : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) [الآية ٣٩] ولهذا قال هو أيضا لمّا أصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها ، وهي خاوية على عروشها ، كما ورد في القرآن : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) (٤٢) فاعترف بالشرك.
فإن قيل : ما الحكمة في إيراد «أنا» في قوله تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ) [الآية ٣٩]؟
قلنا : «أنا» في مثل هذا الموضع تفيد حصر الخبر في المخبر عنه ، ومنه قوله تعالى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه : ١٢] وقوله جلّ جلاله (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) [طه : ١٤] ونظائره كثيرة.
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) [الآية ٤٣] وكذلك ما أشبهه مما جاء في القرآن العزيز (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٨١) [مريم] ، (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير) (٢٢) [العنكبوت](الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) [العنكبوت : ٤١] ، وكيف تحقيق معناه؟