[المؤمنون / ٩٢] و (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١٠٩) [المائدة] لما أفرد المعمول لم يأت بصيغة المبالغة ، ونظيره قولهم : زيد ظالم لعبده ، وعمرو ظلام لعبيده ، فهما في الظلم سيّان. وكذلك قال الله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) [الفتح / ٢٧] فشدد لكثرة الفاعلين لا لتكرار الفعل ، أو أن الصيغة هنا للنسب أي لا ينسب إليه ظلم ؛ فالمعنى : ليس بذي ظلم. الثاني أن العذاب من العظيم القدر ، الكثير العدل ، لو لا سبق الجناية ، يكون أفحش وأقبح من الظلم ممن ليس عظيم القدر كثير العدل ، فيطلق عليه اسم الظلام باعتبار زيادة قبح الفعل منه لا باعتبار تكرره ، فحاصله أن صيغة المبالغة تارة تكون باعتبار زيادة ذات الفعل ، وتارة باعتبار صفته ، ففعل الظلم ، لو صدر عن الله تعالى وتقدس ، لكان أعظم من ألف ظلم يصدر عن عبيده ، باعتبار زيادة وصف القبح ؛ ونظيره قوله تعالى (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٧٢) [الأحزاب] على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : في قوله تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [الآية ١٨٤] : من حق الجزاء أن يتعقب. الشرط ، وهذا سابق له؟
قلنا : جواب الشرط محذوف ، وقوله تعالى : (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [الآية ١٨٤] جوابا لأنه سابق عليه ، ومعناه : وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرسل قبلك ، وضعا للسبب ، وهو تكذيبهم ، موضع المسبب ، وهو التأسي بهم.
فإن قيل : ما الحكمة من قوله تعالى (وَلا تَكْتُمُونَهُ) في قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [الآية ١٨٧] والأول مغن عن الثاني؟
قلنا : معناه ليبيّننّه في الحال ، ويدومون على ذلك البيان ولا يكتمونه في المستقبل. الثاني أن الضمير الأول للكتاب ، والثاني لنعت النبي (ص) وذكره ، فإنه قد سبق ذكر النبي (ص) قبيل هذا.
فإن قيل : متى بينوا الكتاب لزم من بيانه صفة النبي (ص) وذكره لأنه من جملة الكتاب الذي هو التوراة والإنجيل ، فقوله بعد ذلك ولا يكتمونه تكرارا.