المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «النساء» (١)
تقدّم وجوه مناسبتها
وأقول : هذه السورة أيضا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة.
فمنها : أنه أجمل في البقرة قوله :
(اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة ٢١]. وزاد هنا : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [الآية ١].
وانظر كيف كانت آية التقوى في سورة البقرة غاية ، فجعلها في أول هذه السورة التالية لها مبدأ (٢).
ومنها : أنه أجمل في سورة البقرة : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [الآية ٣٥].
وبيّن هنا أن زوجته خلقت منه في قوله تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [الآية ١].
ومنها : أنه أجمل في البقرة آية اليتامى ، وآية الوصية ، والميراث ، والوارث ، في قوله : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) [البقرة ٢٣٣]. وفصّل ذلك في هذه السورة أبلغ تفصيل (٣).
وفصّل هنا من الأنكحة ما أجمله هناك ، فإنه قال في البقرة : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) [الآية ٢٢١].
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). آية التقوى في البقرة هي : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢). وهي غاية ، لأن الهداية بالكتاب وبآياته لا تكون إلا للمتقين ، فالتقوى غاية الهداية. أما في سورة النساء فقد بدأ الله الأمر بها في قوله : (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [الآية ١]. وبيّن وسائل تحقيقها في الآية نفسها.
(٣). وذلك في الآيات (٧ ، ١١ ، ١٢ ، ٣٣ ، ١٧٦) من سورة النساء.