قلنا : معناه بجهالة بقدر قبح المعصية وسوء عاقبتها ، لا بكونها معصية وذنبا ، وكل عاص جاهل بذلك حال مباشرة المعصية معناه أنه مسلوب كمال العلم به بسبب غلبة الهوى وتزيين الشيطان.
فإن قيل لم قال تعالى : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [الآية ١٧] مع أنهم لو تابوا بعد الذنب من بعيد لقبلت توبتهم؟
قلنا : ليس المراد بالقريب مقابل البعيد إذ حكمهما واحد ، بل معناه قبل معاينة سلطان الموت ، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما بقرينة قوله (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [الآية ١٨].
فإن قيل لم قال تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) [الآية ٢٠] ، مع أن حرمة الأخذ ثابتة وإن لم يكن قد أعطاها المهر بل كان في ذمته أو في يده؟
قلنا : المراد بالإيتاء الضمان والالتزام كما في قوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) [البقرة / ٢٣٣] أي ما غنمتم والتزمتم.
فإن قيل : لم قال تعالى : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) [الآية ٢٠] وأخذ مهر المرأة ظلم وليس ببهتان لأن البهتان الكذب؟
قلنا : ابن عباس وابن قتيبة قالا : المراد بالبهتان الظلم. وقال الزجاج المراد به الباطل ، والمشهور في كتب اللغة أن البهتان أن يقول الإنسان على غيره ما لم يفعله. قالوا : فالمراد به أن الرجل ربما رمى امرأته بتهمة ليتوصل بذلك إلى أن يأخذ منها مهرها ويفارقها. وقيل المراد به إنكاره أنّ لها مهرا في ذمته.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [الآية ٢٢] فنهى عن الفعل المستقبل ، وإلا ما قد سلف ماض ، فكيف يصح استثناء الماضي من المستقبل؟
قلنا : قيل إن «إلّا» هنا بمعنى بعد كما في قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان / ٥٦] وقيل هو استثناء من محذوف تقديره : فإنكم تعذبون به إلا ما قد سلف. وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره : إنه كان فاحشة إلا ما قد سلف.
فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّهُ