والافتراق بين المفاهيم يرتبط بمقام الثبوت ، وأمّا البحث في أنّه أين ينتزع الوجوب من صيغة «افعل» وأين لا ينتزع يرتبط بمقام الإثبات ، فالبحث في مقام الفرق بين ماهيّة الوجوب والاستحباب لا في منشأ انتزاعهما وتحقّقهما بحسب الخارج ، كالبحث عن الفرق بين ماهيّة البيع والإجارة ، فإنّا لا نبحث فيه عن تحقّقهما خارجا ، وأنّ البيع ينتزع بواسطة بعت ـ مثلا ـ أم لا ، وهكذا في ما نحن فيه.
وثانيا : أنّه لا يستفاد من كلامه أنّ التمايز بينهما بأيّ نوع من الأنواع الأربعة المذكورة ربّما يتوهّم أنّ التمايز عنده يكون بالعوارض الفرديّة والشخصيّة بعد الاشتراك في تمام الذات ، لكنّه مدفوع بأنّ الوجوب والاستحباب ماهيّتان كلّيّتان ، ولا يعقل فيهما التمايز بالخصوصيّات الفرديّة ، فإنّ هذا النوع من التمايز يختصّ بأفراد ماهيّة واحدة في مرحلة الوجود الخارجي ، ومع ذلك لا يستفاد من كلامه ما هي الذات المشتركة بينهما جنسا وفصلا.
فالتحقيق : أنّ التمايز بينهما بالنقص والكمال والشدّة والضعف ـ كما قال به صاحب الكفاية قدسسره ـ فالنقص يكون فصلا للاستحباب ، والكمال للوجوب ، مع اشتراكهما في أصل حقيقة الطلب مثل وجود الكامل والناقص ، فلا يصحّ ما قال به المحقّق العراقي قدسسره (١) من أنّ الوجوب كان عين الطلب من دون زيادة ، والاستحباب هو الطلب مع زيادة ، فإنّ لازم التقسيم أن يكون كلّ قسم عبارة عن المقسم مع زيادة ، فالتمسّك بالإطلاق لإثبات أن يكون مفاد الأمر هو الوجوب ليس بصحيح.
ومن هنا نرجع إلى أصل المسألة لتكميل البحث ، وقد مرّ أنّهم ذكروا لكون
__________________
(١) نهاية الأفكار : ١٦٠ ـ ١٦٣.