ويمكن تنزيل كلامهم على اتّحاد الطلب والإرادة التشريعيّة وهي ما ذكرنا من الإرادة الفعليّة الإنشائيّة المعبّر عنها بالاقتضاء والاستدعاء دون الإرادة النفسيّة المتعلّقة بحصول الفعل من المكلّف حسب ما مرّ تفصيل القول فيه ، وما ذكره من الوجه في خلوّ الأمر عن الإرادة المذكورة مذكور في كلام الأشاعرة ، وقد مرّ بيانه مفصّلا في محلّه.
إذا تقرّر ذلك فنقول : إنّ ما قد يتخيّل من الوجه في امتناع الأمر بالفعل مع علم الآمر بامتناعه امور :
أحدها : استحالة تعلّق الإرادة بالمحال ، فبعد علم الآمر بانتفاء الشرط لا يتعقّل معه إرادة الفعل.
ويدفعه : ما عرفت من أنّ المستحيل إنّما هو إرادة الفعل في النفس وترجيحه على الترك دون الإرادة الفعليّة الانشائيّة الحاصلة بإنشاء الصيغة ، وقد عرفت الفرق بين الأمرين ، وأنّ مفاد الأمر والتكليف هو الثاني دون الأوّل.
ثانيها : حكم العقل بقبح طلب المحال وإلزام المكلّف بما يستحيل صدوره منه.
ثالثها : خلوّ الطلب المفروض عن الفائدة فلا يعقل صدوره عن الحكيم.
ويدفعهما : أنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو قلنا بالجواز مع علم المأمور بالحال ، وأمّا مع جهله وإمكان الفعل في نظره فلا وجه لتقبيح العقل للطلب المفروض ، ولا لعدم ترتّب مصلحة عليه ، لوضوح أنّ الطلب كما يحسن لمصالح حاصلة في الفعل المطلق كذا يحسن لمصالح مترتّبة على نفس الطلب مع حصولها.
وما يقال حينئذ من خروج ذلك عن محلّ البحث لخروج الأمر حينئذ عن حقيقته وكونه أمرا صوريّا محضا مدفوع بما عرفت من أنّ حقيقة الطلب لا يزيد على ذلك ، وهي حاصلة في الأوامر الامتحانيّة قطعا ، غاية الأمر خلوّها عن الإرادة بالوجه الآخر ، وقد عرفت أنّها خارجة عن مفاد الأمر لا ربط لها بحقيقة مدلول الصيغة ، فاتّضح بذلك أنّه لا محذور في الأمر بالفعل مع علم الآمر بانتفاء شرطه. وما عزي إلى الأصحاب من المنع مبنيّ على ما ذكر ، وقد ظهر ممّا قرّرنا