لجعل النزاع في المسألة في خصوص الوجوب الأصلي بأن يكون اللفظ الدالّ على وجوب ذي المقدّمة دالّا على وجوب مقدّمته ليكون الخطاب به خطابا بها أصالة ، كيف وفساد ذلك أيضا يشبه أن يكون ضروريّا؟
فتنزيل كلماتهم على إرادة ذلك ـ كما في كلام الفاضل المتقدّم واحتمله بعض الأفاضل ـ ممّا لا وجه له أصلا بل فاسد قطعا ومع ذلك فلا ثمرة لإثبات تعلّق الخطاب بها أصالة ، إذ بعد وضوح كون الخطاب بها غيريّا كما مرّ لا يترتّب على تركها عقوبة مستقلّة حسب ما عرفت ، وتعلّق الطلب الحتمي بها حاصل على الوجهين ؛ غاية الأمر اختلافهما في مدرك الحكم وذلك ممّا لا يترتّب عليه ثمرة كما لا يخفى.
فالحقّ في تحرير محلّ النزاع في المسألة أن يقرّر الخلاف في الوجوب الغيري التبعي ، فالقائلون بالوجوب يقولون بكون المقدّمة مطلوبة للشارع للتوصّل إلى ذيها ، ويستفاد ذلك الطلب بحكم العقل بعد ملاحظة الطلب المتعلّق بذي المقدّمة ؛ والقائل بعدم الوجوب ينكر ذلك ويقول : إنّه لا يثبت للمقدّمة سوى اللابدّيّة المأخوذة في معناها أو يقول مع ذلك بثبوت الوجوب لها بالعرض ، على ما مرّ تفصيل القول فيه إلّا أن يتعلّق بها أمر من الخارج كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ونحوها ممّا ورد الأمر به من مقدّماتها.
ثمّ إنّ لهم في المسألة أقوالا عديدة :
أحدها : القول بوجوب المقدّمة مطلقا ، وهو المختار وإليه ذهب المعظم من العامّة والخاصّة بل لا نعلم قائلا بخلافه من الأصحاب ممّن تقدم على المصنّف ، وحكاية الإجماع عليه مستفيضة على ما ذكره جماعة ؛ ويستفاد من تتبّع مطاوي المباحث الفقهيّة أنّ ذلك من المسلّمات عندهم ، وعن المحقّق الدواني دعوى الضرورة عليه ؛ وربما يستفاد ذلك من كلام المحقّق الطوسي أيضا وقد حكى الشهرة عليه جماعة.
ثانيها : القول بعدم وجوبها كذلك ، حكاه الفاضل الجواد والعضدي قولا