قوله : (والأصحّ أنّ التقييد بالغاية يدلّ على مخالفة ما بعدها لما قبلها).
من جملة المفاهيم : مفهوم الغاية ، وهو ثالث أقسام مفهوم المخالفة الّذي يعبّر عنه بدليل الخطاب ، وهو أقوى من الأوّلين كما يأتي ، ولابدّ من تحرير محلّ النزاع فيه.
فنقول : إنّ الغاية قد يطلق ويراد بها فائدة الشيء وثمرته ، كما يقال في أوائل العلوم بعد تعريف العلم وبيان موضوعه : إنّ غايته كذا.
وقد يطلق ويراد بها تمام المسافة زمانا أو مكانا ، كما في قولهم : «من» لابتداء الغاية ، و «إلى» لانتهائها. وتوجيهه بأنّ المراد أنّها لإفادة كون مدخولها غاية ونهاية كما ترى ، وكان منه قوله عليهالسلام : هو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى غاية ، وقوله : انقطعت عنه الغايات.
وقد يطلق على ما دخلت عليه أداة الغاية ، ولذا يعبّر عن دخوله في المغيّا أو خروجه بدخول الغاية وخروجها.
وقد يطلق على نهاية الشيء بمعنى الجزء الأخير منه الّذي يمتدّ ذلك الشيء إليه بنفسه، أو بحسب محلّه ، أو زمانه ، أو مكانه ، فيدخل فيه وإن قلنا بخروج ما بعد الأداة ، كما تقول : غاية مرامي ومنتهى مقصدي كذا ، وغاية ما في الباب كذا مع احتمالها للمعنى الثاني.
وقد يطلق على حدّه الخارج عنه المتّصل بآخره وإن قلنا بدخول ما بعد الأداة ، كما قد يقال : غايات الدار لنهاياتها ، ويراد بها حدودها ، وكان منه قوله عليهالسلام : «هو غاية كلّ غاية». ومثله قولك : «يا غاية أمل الآملين ، ورجاء الراجين ، ورغبة الراغبين ، ومطلب الطالبين ، ومنى المحبّين ، وما أشبه ذلك يريد بذلك انتهاءها إليه ، وكان الأوّل مأخوذ من أحد الأخيرين ، فإنّ فائدة الشيء وثمرته هي غايته الّتي ينتهي ذلك الشيء إليها وينقطع دونها فكأنّها نهايته وحدّه. إمّا بادّعاء دخولها فيه ووقوعها في آخره لأنّها المقصودة منه فلا يطلب وراءها أمر ، أو وعلى أنّها خارجة عن ذلك الشيء فكأنّها حدّه الّذي يتّصل به.