قلت : لا يخفى أنّ جعل هذا التقرير حجّة للقول المذكور لا يخلو عن خفاء ، والأولى في تقريرها حينئذ أن يقال : إنّه لو تعيّن الواجب على كلّ واحد منهم كان سقوطه عن الباقين بعد فعل البعض رفعا للطلب قبل الفعل بالنسبة إليهم فيكون نسخا ، وهو باطل اتّفاقا. وأيضا يتوقّف حصوله على خطاب جديد ، ولا خطاب فلا نسخ. وإنّه لو لم يتعلّق الوجوب بكلّ واحد منهم لم يصحّ قصد الوجوب من كلّ منهم ، ولم يجز تأثيم الجميع بتركهم ، فلابدّ من تصوير ذلك على وجه يجمع بين ما ذكر ، وليس ذلك إلّا بالقول بتعلّقه بالمجموع على أن يراد وقوع الفعل من المجموع في الجملة ، بحيث إنّه لو أتى به البعض صدق معه حصول الفعل من مجموع الجماعة ، فيصحّ من كلّ منهم قصد الوجوب ، ولا يحصل ترك الفعل من المجموع إلّا عند ترك الجميع ، فيتعلّق الإثم إذا بالمجموع بالذات ، وبكلّ منهم بالعرض.
وحينئذ فالجواب عنه : أنّ طريق الجمع بين الأمرين المذكورين لا ينحصر في ما ذكر ، بل يصحّ على ما قلناه من تعلّق الوجوب بكلّ منهم على سبيل البدليّة ، حسب ما فصّلنا القول فيه ، بل لا يصحّ ذلك على القول بوجوبه على المجموع إلّا بإرجاعه إلى ما قلناه ، حسب ما أشرنا إليه.
هذا ، وقد ظهر ممّا قرّرناه سابقا. حجّة القول الرابع المحكيّ عن بعض المعاصرين وغيره ، والوجه في وهنه ، فلا حاجة إلى إعادته. وقد اتّضح من التأمّل في جميع ما ذكرناه حجّة القول المختار ، ودفع ما ربّما يتوهّم من الإيراد في المقام ، فلا حاجة إلى تطويل الكلام.
ولنتمّم الكلام في المرام بذكر امور :
أحدها (١) : أنّه لا ريب أنّه لو ترك الواجب الكفائي جميع المكلّفين الواجدين لشرائط التكليف به عصى الكل على ما هو قضيّة التكليف في المتعلّق بهم كما عرفت ، ولا خلاف فيه على شيء من الأقوال المذكورة.
__________________
(١) لا يخفى أنّه لم يأت فيما بعد بقايا هذه الامور ، وسيأتي بعد أسطر : وإنّما وقع الكلام في امور : الأوّل ...