فلو كان الأمر غير مخلوق ولم يزل لكان الروح كذلك لأنه منه ، ومعاذ الله من هذا ، ولا خلاف بين المسلمين في أنّ أرواحهم مخلوقة ، وكيف لا يكون كذلك وهي معذّبة في النار ، أو منعمة في الجنة؟ وقال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [سورة النبأ : ٣٨].
وصحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سبّوح ، قدّوس ، ربّ الملائكة والرّوح» (١).
قال أبو محمد : والمربوب مخلوق بلا شك ، فإن اعترض معترض بقول الله عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤].
ورام بهذا إثبات أن الخلق غير الأمر ، فلا حجة له في هذا لأن الله عزوجل قال : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [سورة الانفطار : ٦ ـ ٨].
فقد فرّق الله تعالى في هذه الآية بين الخلق والتسوية والتعديل والتصوير ولا خلاف في أنّ كلّ ذلك خلق الله عزوجل ، مخلوق.
وقال تعالى : (خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [سورة الروم : ٤٠].
فعطف تعالى الرزق ، والإماتة ، والإحياء على الخلق بلفظة «ثم». فلو كان عطف الأمر على الخلق دليلا على أنّ الأمر غير الخلق لوجب ولا بدّ أن يكون الرزق ، والإماتة ، والإحياء ، والتصوير ، كلها غير الخلق ، وغير مخلوقات ، وهذا لا يقوله مسلم ، فبطل استدلالهم على أنّ الأمر غير مخلوق لعطفه على الخلق. وقد عطف تعالى جبريل على الملائكة ، فليس العطف على الشيء مخرجا له عنه إذا قام برهان على أنه داخل فيه. وقد قام برهان النصّ بأنّ أمر الله تعالى مخلوق ، وأنه قدر مقدور ، مفعول.
وأما إذ لم يأت برهان يدخل المعطوف في المعطوف عليه فهو غيره بلا شك هذا حكم اللغة وبالله تعالى التوفيق.
وأمّا العزّة فقد قال الله تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات : ١٨٠].
قال أبو محمد : والمربوب مخلوق بلا شك ، وليس قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
__________________
(١) رواه من حديث عائشة : مسلم في الصلاة (حديث ٢٢٣). وأبو داود في الصلاة باب ١٤٧. والنسائي في التطبيق باب ١١ و ٧٥. وأحمد في المسند (٦ / ٣٥ ، ٩٤ ، ١١٥ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٧٦ ، ١٩٣ ، ٢٠٠ ، ٢٤٤ ، ٢٦٦).