فلو لم يكن هاهنا قبل الفعل الذي هو فعل المرء الحج لما لزم الحج إلا لمن حج فقط ، ولما كان أحد عاصيا بترك الحج لأنه إن لم يكن مستطيعا الحج حتى يحج فلا حج عليه ، ولا هو مخاطب بالحج ، وقوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [سورة النساء : ٩٢].
فلو لم يكن على المظاهر العائد لقوله استطاعة على الصيام قبل أن يصوم لما كان مخاطبا بوجوب الصوم عليه ، إذا لم يجد الرقبة أبدا ولكان حكمه مع عدم الرقبة وجوب الإطعام فقط ، وهذا باطل.
وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن تابعه من أصحابه رضي الله عنهم : «فيما استطعتم» ، (١) وأمره صلىاللهعليهوسلم أنه يصلوا قياما فمن لم يستطع فقاعدا ، فمن لم يستطع فعلى جنب ، (٢) في هذا إجماع متفق على صحته لا شك فيه ، فلو لم يكن الناس مستطيعين معذورا إن صلى قاعدا أو على جنب بكل وجه ، لأنه إذا صلى كذلك لم يكن مستطيعا للقيام وهذا باطل ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم» فلو لم تكن هاهنا استطاعة لشيء مما أمرنا به (٣) قبل أن نفعل لما أمرنا به ولما لزمنا شيء من ذلك ، ولكنا غير عصاة بالترك ، لأننا لم نكلف بالنص إلا ما استطعنا.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «أتستطيع أن تصوم شهرين؟» قال : لا. (٤)
__________________
(١) روى البخاري في الاعتصام (باب ٢ ، حديث ٧٢٨٨) عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «دعوني ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». ورواه أيضا مسلم في الحج (حديث ٤١٢) والنسائي في المناسك باب ١ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٧ ، ٢٥٨ ، ٣١٤ ، ٣٥٥ ، ٣٦٨ ، ٤٤٨ ، ٤٥٧ ، ٤٦٧ ، ٤٨٢ ، ٤٩٥ ، ٥٠٨).
(٢) رواه البخاري في تقصير الصلاة باب ١٩ (حديث ١١١٧) وأبو داود في الصلاة باب ١٧٥ ، والترمذي في الصلاة باب ١٥٧ ، وابن ماجة في الإقامة باب ١٣٩ ، وأحمد في المسند (٤ / ٤٢٦). ولفظه كما عند البخاري : عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن الصلاة فقال : «صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب».
(٣) انظر الحاشية رقم (١).
(٤) تمام الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلىاللهعليهوسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت. قال : «ما لك؟» قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هل تجد رقبة تعتقها»؟ قال : لا. قال : «فهل تستطيع أن تصوم شهرين