كلمنا الله تعالى به في القرآن على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم بوحيه إليه. ونقول قال لنا (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [سورة المزمل : ٢٠].
ونقول أخبرنا الله تعالى عن موسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام وعن الجنة والنار في القرآن وفيما أوحى إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ولو قال قائل : حدثنا الله تعالى عن الأمم السالفة وعن الجنة والنار في القرآن ، وعلى لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم لكان قولا صحيحا لا مدفع له ، لأن الله تعالى يقول : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) [سورة النساء : ٨٧].
كذلك نقول : قصّ الله تعالى علينا أخبار الأمم في القرآن. وقال تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) [سورة يوسف : ٣] ونقول سمعنا كلام الله تعالى في القرآن حقيقة لا مجازا ، وفضل علينا الملائكة والأنبياء عليهمالسلام في هذا بالوجه الثاني الذي هو تكليمهم بالوحي إليهم في النوم واليقظة دون وسيطة ، وبتوسط الملك أيضا ، وفضل بعض الملائكة وبعض الرسل على جميعهم عليهمالسلام بالوجه الثالث الذي هو تكليم في اليقظة من وراء حجاب دون وسيطة ملك لكن بكلام مسموع بالآذان ، ومعلوم بالقلب زائد على الوحي الذي هو معلوم بالقلب فقط ، أو مسموع من الملك عن الله تعالى ، وهذا هو الوجه الذي خصّ به موسى عليهالسلام من الشجرة ومحمد صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء من المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام وسائر من كلمه الله تعالى من النبيين والملائكة عليهمالسلام. وقال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) [سورة البقرة : ٣٠] الآية. ولا يجوز أن يكون شيء من هذا بصوت أصلا لأنه كان يكون حينئذ بواسطة ملك مكلم غير الله تعالى وكان ذلك الصوت حينئذ بمنزلة الرعد الحادث في الجوّ والفزع الحادث في الأجسام ، والوحي أعلى من هذه منزلة ، والتكليم من وراء الحجاب أعلى من سائر الوحي بنصّ القرآن لأن الله تعالى سمى ذلك تفضيلا كما تلونا وكل ما ذكرنا وإن كان يسمى تكليما فإن التكليم المطلق أعلى في الفضيلة من التكليم الموصول كما أن كل روح فهو روح الله تعالى على الملك ، ولكن إذا قلنا روح الله تعالى على الإطلاق نعني جبريل وعيسى عليهماالسلام كان ذلك فضيلة عظيمة لهما.
قال أبو محمد : وكذلك إذا قرأنا في القرآن قلنا كلامنا هذا هو كلام الله تعالى