وقول الله تعالى محدث بالنص ، وبرهان ذلك قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة آل عمران : ٧٧].
ثم قال تعالى إنه قال لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ).
وقال تعالى : إنّهم قالوا : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف : ٣٨].
فنص الله تعالى على أنه لا يكلمهم وأنه يقول لهم ، فثبت يقينا أن قول الله تعالى هو غير كلامه وغير تكليمه ، لكن نقول كلّ كلام وتكليم قول وليس كل قول منه تعالى كلاما ولا تكليما بنص القرآن. ثم نقول وبالله تعالى التوفيق : إن الله تعالى أخبرنا أنه كلّم موسى عليهالسلام وكلم الملائكة عليهمالسلام ، وثبت يقينا أنه كلم محمدا عليهالسلام ليلة الإسراء وقال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
فخصّ تعالى بتكليمه بعضهم دون كما ترى. وقال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [سورة الشورى : ٥١].
ففي هذه الآية والحمد لله رب العالمين كثيرا نصّ على تصحيح ما قلناه في هذه المسألة وما توفيقنا الله بالله.
فأتى تعالى في هذه الآية أنه لا يكلم بشرا إلا بأحد هذه الوجوه الثلاثة فنظرنا فيها فوجدناه تعالى قد سمى ما تأتينا به الرسل تكليما منه للبشر ، فصحّ أن الذي أتتنا به الرسل عليهمالسلام هو كلام الله تعالى ، وأنه تعالى قد كلمنا بوحيه الذي أتتنا به رسله عليهمالسلام ، وأننا قد سمعنا كلام الله تعالى الذي هو القرآن الموحى إلى النبي بلا شك والحمد لله رب العالمين. ووجدناه تعالى قد سمّى وحيه إلى أنبيائه عليهمالسلام تكليما لهم ، ووجدناه تعالى قد ذكر وجها ثالثا وهو التكليم الذي يكون من وراء حجاب وهو الذي فضّل به بعض النبيين على بعض ، وهذا التكليم يطلق عليه تكليم الله عزوجل دون صلة كما كلم موسى عليهالسلام (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) [سورة القصص : ٣٠].
وأما القسمان الأولان فإنما يطلق عليهما تكليم الله تعالى بصلة لا مجرّدا فنقول كلّم الله تعالى جميع الأنبياء عليهمالسلام بالوحي إليهم ، ونقول في القسم الثاني