الموازنة التي ربنا عزوجل عالم بمراتبها ، ومقاديرها ، وإنما نقف حيث وقفنا الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : واستدركنا قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قاتل نفسه : «حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار» (١) ، مع قوله : «من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه حرّم الله عليه النّار وأوجب له الجنّة». (٢)
قال أبو محمد : قال الله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم آية رقم ٣ و ٤] فصح أن كلامه صلىاللهعليهوسلم كله وحي من عند الله وقال عزوجل (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء آية رقم ٨٣] فصح أن كل ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمن عند الله تعالى ، وأنه لا اختلاف في شيء منه وأنه كله متفق عليه ، فإذ ذلك كذلك فواجب ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض فيلوح الحق حينئذ بحول الله وقوته ، فمعنى قوله صلىاللهعليهوسلم في القاتل : «حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار» (٣) ، مبني على الموازنة فإن رجحت كبيرة قتله نفسه على حسناته حرم الله عليه الجنة ، حتى يقتص منه بالنار ، التي أوجبها الله تعالى جزاء على فعله ، وبرهان هذا الحديث الذي أسلم وهاجر مع عمرو بن حممة الدوسي ثم قتل نفسه لجراح جرح به فتألم منه فقطع عروق يده فنزف حتى مات فرآه بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم في حال حسنة إلا يده وذكر أنه قيل له لن يصلح منك ما أفسدت فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم وليديه فاغفر» ... (٤) ومعنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من قال لا
__________________
(١) روى نحوه البخاري في الجنائز باب ٨٣ ، والأدب باب ٤٤ و ٧٣. ومسلم في الإيمان حديث ١٧٥ ـ ١٧٧. والترمذي في الإيمان باب ١٦ ، والطب باب ٧. والنسائي في الإيمان باب ٧ و ٣١ ، والجنائز باب ٦٨. والدارمي في الديات باب ١٠. وأحمد في المسند (٢ / ٢٥٤ ، ٤٧٨ ، ٤٨٨ ، ٤ / ٣٣ ، ٣٤). ولفظ الحديث كما رواه مسلم في الإيمان (حديث رقم ١٧٥) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا. ومن شرب سمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا».
(٢) رواه البخاري في العلم باب ٤٩ ، والجمعة باب ١٨. ومسلم في الإيمان حديث ٥٣. والترمذي في الصلاة باب ٢٠٠. وابن ماجة في الزهد باب ١٩. والدارمي في الجهاد باب ٨.
(٣) رواه مسلم في الإيمان باب ٤٩ (حديث ١٨٤) عن جابر : أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة؟ ـ قال : حصن كان لدوس في الجاهلية ـ فأبى ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ،