وجل أنه يضع الموازين القسط ، وأنه لا يظلم أحدا شيئا ، ولا مثقال حبة خردل ، ولا مثقال ذرة من خير ، أو من شر ، فصح أن السيئة لا تحبط الحسنة ، وأن الإيمان لا يسقط الكبائر.
ونص الله تعالى أنه تجزى كل نفس بما كسبت وما عملت وما سعت وأنه ليس لأحد إلا ما سعى وأنه سيجزى بذلك من أساء بما عمل ومن أحسن بالحسنى ، وأنه تعالى يوفي الناس أعمالهم ، فدخل في ذلك الخير والشر.
وأنه تعالى يجازي بكل خير عمل وبكل سوء عمل ، وهذا كله يبطل قول من قال بالتخليد ضرورة ، وقول من قال بإسقاط الوعيد جملة ، لأن المعتزلة تقول : إن الإيمان يضيع ويحبط. وهذا خلاف قول الله تعالى أنه لا يضيع إيماننا ولا عمل عامل منا.
وقالوا هم : إن الخير ساقط بسيئة واحدة.
وقوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود آية رقم ١١٤].
فقالوا لهم : إن السيئات يذهبن الحسنات.
وقد نص تعالى أن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك والموت عليه.
وقال تعالى : (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [سورة الأنعام آية رقم ١٦٠].
فلو كانت كل سيئة ، أو كل كبيرة ، توجب الخلود في جهنم ، وتحبط الأعمال الحسنة ، لكانت كل سيئة ، أو كل كبيرة كفرا ، ولتساوت السيئات كلها ، وهذا خلاف النصوص ، وعلمنا بما ذكرنا أن الذين قال الله تعالى فيهم : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة البقرة آية رقم ٦٢] هم الذين رجحت حسناتهم على سيئاتهم ، فسقط كل سيئة قدموها وصح أن قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [سورة النمل آية رقم ٩٠] هم من رجحت كبائرهم وحسناتهم ، وأن السيئة الموجبة للخلود هي الكفر ، لأن النصوص جاءت بتقسيم السيئات ، فقال تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة النساء آية رقم ٣١] فهذه سيئات مغفورة باجتناب الكبائر.
وقال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [سورة الشورى آية رقم ٤٠].
وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة آية رقم ٨].
فأخبر تعالى أن من السيئات المجازى بها ما هو مقدار ذرة ، ومنها ما هو أكبر ،