والزنجي المسبي ، والزنجية المجلوبة ، والرومي ، والرومية ، والأغثر (١) الجاهل ، والضعيف في فهمه ، فما منهم أحد ، ولا من غيرهم قال له عليهالسلام : إني لا أقبل إسلامك ولا يصح لك دين إلا حتى تستدل على صحة ما أدعوك إليه.
قال أبو محمد : لسنا نقول : إنه لم يبلغنا أنه عليهالسلام قال ذلك لأحد بل نقطع نحن وجميع أهل الأرض ، قطعا كقطعنا على ما شاهدناه أنه عليهالسلام لم يقل قط هذا لأحد ، ولا رد إسلام أحد حتى يستدل ، ثم جرى على هذه الطريقة جميع الصحابة رضي الله عنهم ، أولهم عن آخرهم ، ولا يختلف أحد في هذا الأمر ، ثم جميع أهل الأرض إلى يومنا هذا ، ومن المحال الممتنع عند أهل الإسلام أن يكون عليهالسلام يغفل أن يبين للناس ما لا يصح لأحد الإسلام إلا به ، ثم تتفق على إغفال ذلك أو تعمد عدم ذكره جميع أهل الإسلام وتنبه له هؤلاء الأشقياء.
ومن ظن أنه وقع من الدين على ما لم يقع عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو كافر بلا خلاف.
فصح أن هذه المقالة خرق للإجماع ، وخلاف لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم وجميع أهل الإسلام قاطبة.
فإن قالوا : فما كانت حاجة الناس إلى الآيات المعجزات ، وإلى احتجاج الله عزوجل عليهم بالقرآن ، وإعجازه به ، وبدعاء اليهود إلى تمني الموت ، ودعاء النصارى إلى المباهلة ، وشق القمر؟
قلنا وبالله تعالى التوفيق : قد قلنا إن الناس قسمان : قسم لم تسكن نفوسهم إلى الإسلام ، ولا دخلها التصديق ، فطلبوا منه عليهالسلام البراهين فأراهم المعجزات فانقسموا قسمين طائفة آمنت ، وطائفة عندت وجاهرت فكفرت ، وأهل هذه الصفة اليوم هم الذين يلزمهم طلب الأدلة فرضا ولا بد كما قدمنا.
وقسم آخر : وفقهم الله تعالى لتصديقه عليهالسلام وخلق عزوجل في نفوسهم الإيمان كما قال تعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة الحجرات : ١٧] فهؤلاء آمنوا له عليهالسلام بلا تكليف آية ، وأهل هذه الصفة هم اليوم المعتقدون للإسلام حقا بلا معرفة باستدلال.
قال أبو محمد : ويلزم أهل هذه المقالة أن جميع أهل الأرض كفار إلا الأقل ، وقد قال بعضهم إنهم مستدلون.
__________________
(١) الأغثر : الأحمق. يقال : غثر الرجل : حمق. انظر المعجم الوسيط (ص ٦٤٤).