في الله الذين هم عندهم شكاك مؤمنين من أهل الجنة ، وهذا كفر محض ، وتناقض لا خفاء به ، وكانوا مع ذلك قد سمحوا في أن يبقى المرء دهره كله شاكا في الله عزوجل ، وفي النبوة والرسالة.
وإن قالوا : بل يموت كافرا تجب له النار.
قلنا لهم : لقد أمرتموه بما فيه هلالكه ، وأوجبتم عليه ما فيه دماره ، وما يفعل الشيطان إلا هذا في أمره بما يؤدي إلى الخلود في النار.
وإن قالوا : بل هو في حكم أهل الفترة.
قلنا لهم : هذا باطل ، لأن أهل الفترة لم تأتهم النذارة ولا بلغ إليهم خبر النبوة ، والنص إنما جاء في أهل الفترة ، ومن زاد في الخبر ما ليس فيه فقد كذب على الله عزوجل. ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق :
ما حد الاستدلال الموجب لاسم الإيمان عندكم؟ وقد يسمع دليلا عليه اعتراض أيجزيه ذلك الدليل أم لا؟
فإن قالوا يجزيه. قلنا لهم : ومن أين وجب أن يجزيه وهو دليل معترض فيه؟ وليس هذه الصفة من الدلائل مخرجة عن الجهل إلى العلم بل هي مؤدية إلى الشك الذي كان عليه قبل الاستدلال.
وإن قالوا : بل لا يجزيه إلا حتى يوقن أنه قد وقع على دليل لا يمكن الاعتراض فيه ، كلفوا الناس ما ليس في وسع أكثرهم ، وما لا يبلغه إلا قليل من الناس في طويل من الدهر وكثير من البحث.
ولقد درى الله تعالى أنهم أصفار من العلم بذلك ، يعني أهل هذه المقالة الملعونة الخبيثة.
قال أبو محمد : ومن البرهان الموضح لبطلان هذه المقالة الخبيثة أنه لا يشك أحد ممن يدري شيئا من السير من المسلمين واليهود ، والنصارى والمجوس ، والمنانية والدهرية ، في أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مذ بعث لم يزل يدعو الناس الجماء الغفير إلى الإيمان بالله تعالى وبما أتى به ويقاتل من أهل الأرض من قاتله ممن عنده ويستحل سفك دمائهم ، وسبي نسائهم وأولادهم ، وأخذ أموالهم ، متقربا إلى الله تعالى بذلك وأخذ الجزية وإصغاره ويقبل ممن آمن به ويحرم ماله ودمه وأهله وولده ، ويحكم له بحكم الإسلام ، وفيهم المرأة البدوية ، والراعي ، والراعية ، والغلام الصحراوي الوحشي ،