بالشجاعة في شيء أو بالحركة في وجه ما ، أو وصفناه بالعقل في شيء ما ثم نفينا عنه هذه الصفات في وجه آخر للزمنا حيث وصفناه بشيء منها نفي ضدّها وللزمنا حيث نفينا عنه ضدّها أن نثبتها له ولا بدّ ، كما فعلنا في الرّحمة والسخط فإننا إذ وصفناه بالرحمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد نفينا عنه عزوجل السخط عليه. وإذ نفينا عنه الرحمة لأبي جهل فقد أثبتنا له بذلك السخط عليه ، وهذا برهان ضروري. فإن موّه مموّه فقال : ألستم تقولون إنّ الله تعالى لا يعلم الحيّ ميتا ، فهل تثبتون له بنفي العلم هاهنا الجهل؟
قلنا له : وهذا أيضا تمويه آخر ، بل أوجبنا له بذلك العلم حقّا ، لأننا إذا نفينا عنه العلم بخلاف ما الأشياء ، أثبتنا له العلم بحقيقة ما الأشياء. وهل هاهنا شيء يجهل أصلا ..؟ وإنما الجهل بشيء حق لا يعلمه الجاهل فقط.
قال أبو محمد : وقد قلنا لمن ناظرنا منهم : إنكم تثبتون لله تعالى علما لم يزل ، فأخبرونا هل يقدر الله تعالى على أن يميت اليوم من علمه أنه لا يميته إلّا غدا ..؟ وهل يقدر ربكم على أن يزيل الآن بنية عن مكان قد علم أنها لا تزال إلّا غدا ..؟ وعلى رحمة من مات مشركا ، مع قوله تعالى : إنه لا يرحمه أصلا ، أم لا يقدر على ذلك ..؟
فقال لنا منهم قائل : إنه يقدر على ذلك.
فقلنا له : قد أقررتم أنه يقدر على إحالة علمه الذي لم يزل ، وعلى تكذيب كلامه وهذا إبطال قولكم صراحا.
وقال منهم قائلون : إنه تعالى قادر على ذلك ، ولو فعله لكان قد سبق في علمه أنه سيكون كما فعله.
قلنا لهم : لم نسألكم إلّا هل يقدر على ذلك مع تقدّم علمه أنه لا يكون ..؟ فضجروا هاهنا ، وانقطعوا ، ولجأ بعضهم إلى القطع بقول الأسواري في أنه لا يقدر على ذلك.
فقلنا لهم : إذا كان تعالى لا يقدر على شيء غير ما فعل ، ولا على نقل بنية عن موضعها ، فهو إذا مضطر مجبر ، أو ذو طبيعة جارية على سنن واحد!! نعم. ويلزم الأسواري ومن قال بقوله أن استطاعة الله ليست قبل فعله البتة ، وإنما هي مع فعله ولا بد ، لأنه لو كان مستطيعا قبل الفعل لكان قادرا على أن يفعل في الوقت الذي علم أنه لا يفعل فيه ، وهذا خلاف قوله نصا. وهو يقول : إن الإنسان مستطيع قبل الفعل ، فهو أتم طاقة وقدرة من الله تعالى ويلزمه أيضا القول بحدوث قدرة الله تعالى ، ولا بدّ ، إذ لو