ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هو خبر مبتدأ مضمر ولا يكون ذلك إلا بحذف الابتداء كأنه قال هم الذين ولا يجوز لأحد أن يقول في القرآن حذف إلا بنص آخر جلي يوجب ذلك أو إجماع على ذلك أو ضرورة حس فبطل قولهم وصار دعوى بلا دليل.
وأما نحن فإن لفظة الذين عندنا على موضوعها دون حذف وهو نعت للآخرين ويكون خبر الابتداء وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وكذلك قوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [سورة المجادلة : ١٨].
فنعم هذه صفة القوم الذين وصفهم الله تعالى بهذا في أول الآية ورد الضمير إليهم وهم الكفار بنص أول الآية.
وقال قائلهم أيضا : فإذا عذرتم المجتهدين إذا أخطئوا فاعذروا اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل فإنهم أيضا مجتهدون قاصدون الخير.
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا ولا كفرنا من كفرنا بظننا وهوانا وهذه خطة لم يؤتها الله عزوجل أحدا دونه ولا يدخل الجنة والنار أحد أحدا بل الله تعالى يدخلها من يشاء فنحن لا نسمي بالإيمان إلا من سماه الله تعالى به كل ذلك على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا يختلف اثنان من أهل الأرض لا نقول من المسلمين بل من كل ملة في أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قطع بالكفر على أهل كل ملة غير الإسلام الذين تبرأ أهله من كل ملة حاشا التي آتاهم بها عليهالسلام فقط فوقفنا عند ذلك فقط ، ولا يختلف أيضا اثنان في أنه عليهالسلام قطع باسم الإيمان على كل من اتبعه وصدّق بكل ما جاء به وتبرأ من كل دين سوى ذلك فوقنا أيضا عند ذلك ولا مزيد. فمن جاء نصّ في إخراجه عن الإسلام بعد حصول اسم الإسلام له أخرجناه منه سواء أجمع على خروجه منه أو لم يجمع ، وكذلك من أجمع أهل الإسلام على خروجه عن الإسلام فوجب اتباع الإجماع في ذلك. وأما من نص في خروجه عن الإسلام بعد حصول الإسلام ولا إجماع في خروجه أيضا عنه فلا يجوز إخراجه عن ما قد صح يقينا حصوله فيه وقد نص الله تعالى على ما قلنا فقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [سورة آل عمران ٨٥].
وقال تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [سورة النساء : ١٥٠].
وقال تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [سورة التوبة : ٦٥ ، ٦٦].