قال أبو محمد : واحتج بعضهم بأن قال : قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [سورة الكهف : ١٠٤].
قال أبو محمد : آخر هذه الآية مبطل لتأويلهم لأن الله عزوجل وصل قوله : (يُحْسِنُونَ صُنْعاً) بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) [سورة الكهف : ١٠٥ ، ١٠٦].
فهذا يبين أن أول الآية في الكفار المخالفين لديانة الإسلام جملة ثم نقول لهم لو نزلت هذه الآية في المتأولين من جملة أهل الإسلام كما تزعمون لدخل في جملتها كل متأول مخطئ في تأويل في فتيا لزمه تكفير جميع الصحابة رضي الله عنهم لأنهم قد اختلفوا وبيقين ندري أن كل امرئ منهم فقد يصيب ويخطئ ، بل يلزمه تكفير جميع الأمة لأنهم كلهم لا بد من أن يصيب كل امرئ منهم ويخطئ بل يلزمه تكفير نفسه لأنه لا بد لكل من تكلم في شيء من الديانة من أن يرجع عن قول قاله إلى قول آخر تبين له أنه أصح إلّا أن يكون مقلدا فهذه أسوأ لأن التقليد خطأ كله لا يصح ومن بلغ هاهنا فقد لاح غوامر قوله وبالله تعالى التوفيق.
وقد أقر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لم يفهم آية الكلالة فما كفره بذلك ولا فسّقه ولا أخبره أنه آثم بذلك لكن أغلظ له في كثرة تكراره السؤال عنها فقط وكذلك أخطأ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الفتيا فبلغه عليهالسلام فما كفّر بذلك أحدا منهم ولا فسّقه ولا جعله آثما لأنه لم يعانده عليهالسلام أحد منهم وهذا كفتيا أبي السنابل بن بعكك (١) في آخر الأجلين والذين أفتوا أنّ على الزاني غير المحصن الرجم وقد نقضنا هذا في كتابنا المرسوم بكتاب : «الإحكام لأصول الأحكام» وأيضا فإن الآية المذكورة لا تخرج على قول أحد ممن خالفنا إلّا بحذف وذلك أنهم يقولون إن الذين في قوله تعالى : (الَّذِينَ
__________________
(١) هو أبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار العبدري القرشي ، صحابي قيل اسمه عمرو ، وقيل عبد ربه ، وقيل حبة ، وقيل حنة ، وقيل عامر ، وقيل أصرم. أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (١٢ / ١٣١) وتقريب التهذيب (٢ / ٤٣١) والكنى والأسماء (١ / ٣٢) وتفسير الطبري (٩ / ١٠٦٠١) والجرح والتعديل (٩ / ٣٨٧) وطبقات ابن سعد (٨ / ٢٨٧ ، ٢٨٨).