وإن الله عزوجل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وإن الله تعالى غفر له لهذا القول (١).
قال أبو محمد : فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عزوجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله وقد قال بعض من حرف الكلم عن مواضعه إن معنى لئن قدر الله عليّ إنما هو لئن ضيق الله عليّ كما قال تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [سورة الفجر : ١٦].
قال أبو محمد : وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيّق الله عليّ ليضيقن عليّ وأيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذرّ رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى.
قال أبو محمد : وأبين شيء في هذا قول الله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) إلى قوله : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) [سورة المائدة : ١١٢ ، ١١٣].
فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عزوجل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليهالسلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا لا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبينهم لها.
قال أبو محمد : وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك أو أسقط كلمة عمدا كذلك أو زاد فيها كلمة عامدا فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ثم إن المرء يخطئ في التلاوة فيزيد كلمة وينقص أخرى ويبدل كلامه جاهلا مقدرا أنه مصيب ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة.
__________________
(١) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٥٠ و ٥٤ ، والرقاق باب ٢٥ ، والتوحيد باب ٣٥. ومسلم في التوبة حديث ٢٤ و ٢٥ و ٢٧. والنسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٠. والدارمي في الرقاق باب ٩٢. ومالك في الجنائز باب ٥٢. وأحمد في المسند (١ / ٥ ، ٣٩٨ ، ٢ / ٢٦٩ ، ٣٠٤ ، ٣ / ١٣ ، ١٧ ، ٦٩ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٤ / ٤٤٧ ، ٥ / ٤ ، ٣٥ ، ٣٠٤ ، ٣٨٣ ، ٣٩٥ ، ٤٠٧).