وكالصلاة فإن القيام وحده ليس صلاة ، ولا الركوع وحده صلاة ، ولا الجلوس وحده صلاة ، ولا القراءة وحدها صلاة ، ولا الذكر وحده صلاة ، ولا استقبال القبلة وحده صلاة أصلا ، فإن اجتمع كل ذلك سمي المجتمع حينئذ صلاة ، وكذلك الصيام المفترض والمندوب إليه ، ليس صياما كلّ ساعة من النهار على انفرادها صياما ، فإذا اجتمع صيامها كلها تسمّى صياما ، وقد يقع في اليوم الأكل والجماع والشراب سهوا فلا يمنع ذلك من أن يكون صيامه صحيحا ، والتسمية لله عزوجل كما قدمنا ، لا لأحد دونه بل من الإيمان شيء إذا انفرد كان كفرا ، كمن قال مصدقا بقلبه : لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا إيمان فلو أفرد لا إله وسكت سكوت قطع كان كفرا بلا خلاف من أحد ، ثم نسألهم فنقول لهم : فإذا انفرد صيامه أو صلاته دون إيمان أهي طاعة؟
فمن قولهم لا ، فقد صاروا فيما أرادوا أن يموهوا به علينا من أنّ أبعاض الطاعات إذا انفردت لم تكن طاعة بل كانت معصية ، وإذا اجتمعت كانت طاعة.
قال أبو محمد : فإن قالوا : إذا كان النطق باللسان عندكم إيمانا فيجب إذا عدم المنطق بأن يسكت الإنسان بعد إقراره أن يكون سكوته كفرا ، فيكون بسكوته كافرا.
قلنا : إن هذا يلزمنا عندكم فما تقولون إن سألكم أصحاب محمد بن كرّام فقالوا لكم : إذا كان الاعتقاد بالقلب هو الإيمان عندكم فيجب إذا سها عن الاعتقاد وإحضاره ذكره إما في حالة حديثه مع من يتحدث أو في حال فكره أو نومه أن يكون كافرا ، وأن يكون ذلك السهو كفرا ، فجوابهم أنه محمول على ما صحّ منه من الإقرار باللسان.
قال أبو محمد : ونقول للجهمية والأشعرية في قولهم : إن جحد الله تعالى وشتمه وجحد الرسول صلىاللهعليهوسلم إذا كان كل ذلك باللسان فإنه ليس كفرا لكنه دليل على أنه في القلب كفرا. أخبرونا عن هذا الدليل الذي ذكرتم أتقطعون به وتثبتونه يقينا ولا تشكون في أن في قلبه جحدا للربوبية وللنبوة أم هو دليل مدخول ويدخله الشك ، ويمكن ألا يكون في قلبه كفر؟
ولا بدّ من أحدهما.
فإن قالوا : إنه دليل لا نقطع به قطعا ، ولا نثبته يقينا.
قلنا لهم : فما بالكم تحتجون بالظن ، الذي قال تعالى فيه : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [سورة النجم آية رقم ٢٨].
وأعجب من هذا أنكم تشنعون على خصومكم في هذا المكان بما ينعكس عليكم إذ تقولون : إنكم إنما قلتم إن إعلان الكفر دليل على أن في القلب كفرا ، لأن