وأنتم تقولون إنهما إيمان ، فقد وجب على قولكم أن يكونا كفرا إيمانا معا وفاعلهما كافرا مؤمنا معا وهذا كما ترون (١).
قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن هذا شغب ضعيف وإلزام كاذب مموه ، لأننا لم نقل قط إن من اعتقد وصدق بقلبه فقط بالله تعالى وبرسوله صلىاللهعليهوسلم وأنكر بلسانه أو بعضه فإن اعتقاده لتصديق ذلك كفر ولا أنه كان بذلك كافرا ، وإننا قلنا إنه كفر بترك إقراره بذلك بلسانه فهذا هو الكفر وبه صار كافرا وبه أباح الله تعالى دمه ، أو أخذ الجزية منه بإجماعكم معنا ، وإجماع جميع أهل الإسلام. وكان تصديقه بقلبه فقط بكل ذلك لغوا محبطا كأنه لم يكن ليس إيمانا ولا كفرا ، ولا طاعة ولا معصية ؛ قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر آية ٦٥].
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة الحجرات : ٢].
وبالضرورة يدري كل مسلم أن من حبط عمله وبطل فقد سقط حكمه وتأثيره ، ولم يبق له رسم ، وكذلك لم نقل قط إنّ من أقر بلسانه وحده بالله تعالى وبرسوله صلىاللهعليهوسلم ، وجحد بقلبه أن إقراره بذلك بلسانه كفر ، ولا أنه كان به كافرا لكنه كان كافرا بجحده بقلبه لما جحد من ذلك ، وجحده لذلك هو الكفر ، وكان إقراره بكل ذلك بلسانه لغوا محبطا كما ذكرنا ، لا إيمانا ولا طاعة ولا معصية وبالله تعالى التوفيق ، فقطّ (٢) هذا الإبهام الفاسد.
فإن قال قائل منهم : أليس بعض الإيمان إيمانا ، وبعض الكفر كفرا ، وأراد أن يلزمنا من هذا أن العقد بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح إذا كان ذلك إيمانا فأبعاضه إذا انفردت إيمان. أو أن نقول إنّ أبعاض الإيمان ليست إيمانا فيموّه بهذا.
قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أننا نقول ونصرّح أنه ليس بعض الإيمان إيمانا أصلا ، بل الإيمان متركب من أشياء إذا اجتمعت صارت إيمانا كالبلق ليس السواد وحده بلقا ، ولا البياض وحده بلقا ، فإذا اجتمعا صارا بلقا. وكالباب ليس الخشب وحده بابا ، ولا المسامير وحدها بابا ، فإذا اجتمعا على شكل سمي حينئذ بابا
__________________
(١) أي متناقض لا يستقيم.
(٢) قطّ : قطع.