وهذا نص جلي من خالفه كفر في أن الكفار قد تبين لهم الحق والهدى في التوحيد والنبوة وقد تبين له الحق فبيقين يدري كل ذي حس سليم أنه مصدق بلا شك بقلبه.
وقال تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [سورة النمل : ١٣ ، ١٤].
قال أبو محمد : وهذا أيضا نص جلي لا يحتمل تأويلا على أن الكفار جحدوا بألسنتهم الآيات التي أتى بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واستيقنوا بقلوبهم أنها حق ولم يجحدوا قط أنها كانت وإنما جحدوا أنها من عند الله.
فصح أنّ الذي استيقنوا منها هو الذي جحدوا وهذا يبطل قول من قال من هذه الطائفة أنهم إنما استيقنوا كونها وهي عندهم حيل لا حقائق إذ لو كان ذلك لكان هذا القول من الله تعالى كذبا تعالى الله عن ذلك لأنهم لم يجحدوا كونها وإنما جحدوا أنها من عند الله ، وهذا الذي جحدوا هو الذي استيقنوا بنص الآية.
وقال تعالى حاكيا عن موسى عليهالسلام أنه قال لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) [سورة الإسراء : ١٠٢].
فمن قال : إنّ فرعون لم يعلم أن الله تعالى حق ولا علم أن معجزات موسى حق من عند الله تعالى فقد كذّب ربه تعالى وهذا كفر مجرد.
وقد شغب بعضهم بأن هذه الآية قرئت «ولقد علمت» بضم التاء.
قال أبو محمد : وكلا القراءتين حق من عند الله تعالى لا يجوز أن يرد منهما شيء.
فنعم موسى عليهالسلام علم ذلك ، وفرعون علم ذلك فهذه نصوص القرآن وأمّا من طريق المعقول والمشاهدة والنظر فإنّا نقول لهم :
هل قامت حجة الله تعالى على الكفار كما قامت على المؤمنين بتبين براهينه عزوجل لهم ، أم لم تقم حجة الله تعالى عليهم قط إذ لم يتبين الحق قط لكافر؟
فإن قالوا : إن حجة الله تعالى لم تقم قط على كافر إذ لم يتبين الحق للكفار ، كفروا بلا خلاف من أحد وعذروا الكفار وخالفوا الإجماع. وإن أقروا أن حجة الله تعالى قد قامت على الكفّار بأن الحق تبين لهم صدقوا ورجعوا إلى الحقّ وإلى قول أهل الإسلام.
وبرهان آخر : أن كلّ أحد منا مذ عقلنا لم نزل نشاهد اليهود والنصارى فما سمعهم أحد إلا مقرين بالله تعالى وبنبوّة موسى عليهالسلام وأن الله تعالى حرّم على اليهود العمل في السبت والشحوم.