من الذين أوتوا الكتاب لا يجوز أن يخص به الرجال دون النساء فيكون من فعل مفتريا على الله تعالى وبيقين يدري كل مسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إلى النساء كما بعث إلى الرجال.
والخطاب بلفظ الجمع المذكر يدخل فيه بلا خلاف من أهل اللغة النساء والرجال. وقد علمنا أن النساء يعرفن أبناءهن على الحقيقة بيقين.
والوجه الثاني : هو أن الله تعالى لم يقل كما يعرفون من خلقنا من نطفتهم فكان يسوغ لهذا الرجل حينئذ هذا التمويه البارد باستكراه أيضا وإنما قال تعالى : (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ).
فأضاف تعالى النبوة إليهم فمن لم يقل إنّهم أبناؤهم بعد أن جعلهم الله أبناءهم فقد كذّب الله تعالى وقد علمنا أنه ليس كل من خلق من نطفة الرجل يكون ابنه ، فولد الزنا مخلوق من نطفة إنسان ليس هو أباه في حكم الديانة أصلا ، وإنّما أبناؤنا من جعلهم الله أبناءنا فقط.
كما أن الله تعالى جعل أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمهات المؤمنين فهنّ أمهاتنا وإن لم يلدننا ونحن أبناؤهنّ وإن لم نخرج من بطونهم فمن أنكر هذا فنحن نصدّقه ، لأنه حينئذ ليس مؤمنا ، فلسن أمهاته ولا هو ابن لهن.
والوجه الثالث : هو أن الله تعالى إنما أورد الآية مبكّتا للذين أوتوا الكتاب لا معتذرا عنهم لكن مخبرا بأنهم يعرفون صحة نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم بآياته وبما وجدوا في التوراة والإنجيل معرفة قاطعة لا شكّ فيها كما يعرفون أبناءهم.
ثم أتبع ذلك تعالى بأنهم يكتمون الحق وهم عالمون به ، فبطل هذر هذا الجاهل المخذول والحمد لله رب العالمين.
وقال عزوجل : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) [سورة البقرة : ٢٥٦].
فنص تعالى على أن الرشد قد تبين من الغيّ عموما.
وقال تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [سورة النساء : ١١٥].
وقال تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) [سورة محمد : ٣٢].