خلقه تعالى محال في العقل فقط ، فإنما كان محالا مذ جعله الله تعالى محالا ، وحين أحدث صورة العقل لا قبل ذلك ، فلو شاء الله تعالى ألا يجعله محالا لما كان محالا.
وكذلك من سأل هل يقدر الله تعالى على أن يجعل شيئا موجودا معدوما معا في وقت واحد ..؟ أو جسما في مكانين ..؟ أو جسمين في مكان ..؟ وكل ما أشبه هذا ـ فهو سؤال صحيح ، والله تعالى قادر على كل ذلك ، لو شاء أن يكوّنه لكوّنه. ومن البرهان على ذلك ما نراه في منامنا مما لا شك أنه محال في حال اليقظة ممتنع يقينا ، ونراه في منامنا ممكنا محسوسا مرئيا ببصر النفس ، مسموعا بسمعنا ، فبالضرورة يدري كل ذي حسّ سليم أن الذي جعل المحال ممكنا في النوم قادر على أن يوجده ممكنا في اليقظة.
وكل من سأل : هل الله تعالى قادر على أن يتخذ ولدا ..؟
فالجواب : أنه تعالى قادر على ذلك ، وقد نصّ عزوجل على ذلك في القرآن قال الله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة الزمر : ٤].
وقال تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : ١٧].
قال أبو محمد : ومن لم يطلق أن الله عزوجل يقدر على ذلك ، وحسّن قوله ، بأن قال لا يوصف الله بالقدرة على ذلك فقد قطع بأن الله عزوجل لا يقدر ، إذ لا واسطة فيمن يقدر ولا يقدر البتة ، فلا بدّ من أحدهما ضرورة ، فمن قدر على شيء ما ، ثم وصف في شيء آخر بأنه لا يقدر عليه فقد خرج من أنه لا يقدر عليه ، وإذا وصف في شيء بأنه لا يقدر عليه ، فقد خرج بأنه يقدر عليه ، وإذا وجب أنه لا يقدر عليه فقد ثبت أنه عاجز ضرورة عما لا يقدر عليه ، ولا بدّ. ومن وصف الله عزوجل بالعجز فقد كفر.
وأيضا فإن من قال : لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال فقد جعل قدرته سبحانه وتعالى متناهية ، وجعل قوته عزوجل منقطعة محدودة وملزومة بذلك ضرورة أن قوته تعالى متناهية ، عرض ، وأنه تعالى فاعل بطبيعة فيه متناهية ، وهذا تحديد للباري عزوجل وكفر به مجرد وإدخال له في جملة المخلوقين.
ومعنى قولنا : إن الله تعالى يقدر على المعلوم والمحال إنما هو على ما نبينه إن شاء الله تعالى.