حجة أصلا فلنقل بعون الله عزوجل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان عقد وقول وعمل ، وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد رضي الله عنه : أصل الإيمان كما قلنا في اللغة : التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدّق المصدق لا شيء دون شيء البتة إلا أن الله عزوجل على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء ، وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللّسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط ، فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به وهو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء. ولا عجب أعجب ممن أن وجد لامرئ القيس أو لزهير أو لجرير أو الحطيئة أو الطّرمّاح أو للشماخ أو لأعرابي أسدي ، أو سلمي أو تميمي ، أو من سائر أبناء العرب بوّال على عقبيه لفظا في شعر أو نثر جعله في اللغة وقطع به ولم يعترض فيه ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاما لم يلتفت إليه ولا جعله حجة ، وجعل يصرفه عن وجهه ويحرفه عن مواضعه ويتحيل في حالته عما أوقعه الله عليه ، وإذا وجد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كلاما فعل به مثل ذلك.
وتالله لقد كان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم قبل أن يكرمه الله تعالى بالنبوة وأيام كونه فتى بمكة بلا شك عند كل ذي مسكة من عقل أعلم بلغة قومه وأفصح فيها وأولى بأن يكون ما نطق به من ذلك حجة من كل خندفي (١) ، وقيسي ، وربيعي (٢) ، وإيادي وتيمي ، وقضاعي ، وحميري ، فكيف بعد أن اختصه الله تعالى للنذارة واجتباه للوساطة بينه وبين خلقه ، وأجرى على لسانه كلامه وضمن حفظه وحفظ ما يأتي به؟ فأيّ ضلال أضل ممن يسمع لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب يقول :
__________________
(١) هذه النسبة إلى خندف ، وهي امرأة إلياس بن مضر واسمها ليلى ، وكان سبب تلقيبها بذلك أن إلياس خرج منتجعا فنفرت إبله من أرنب فخرج إليها عمرو فأدركها فسمي مدركة ، وأخذها عامر فطبخها فسمي طابخة ، وانقمع عمير في الخباء فسمي قمعة ، وخرجت أمهم تمشي الخندفة فسميت خندف. والخندفة : مشي تبختر. انظر الأنساب للسمعاني (٢ / ٤٠٦) واللباب لابن الأثير.
(٢) كذا في الأصل. والصواب «ربعي» بدون ياء ، نسبة إلى ربيعة بن نزار. انظر الأنساب للسمعاني (٣ / ٤٣).