وأمّا تسمية الله عزوجل جوادا ، أو سخيا أو وصفه تعالى : بأن له جودا ، وسخاء ، فلا يحل ذلك البتة. ولو أن المعتزلة المقدمين على تسمية ربهم : جوادا ، وأن له جودا ـ يكون لهم علم بلغة العرب ، أو بحقيقة الأسماء ، ووقوعها على المسمّيات ، أو بمعاني الأسماء والصفات ـ ما أقدموا على هذه العظيمة ، ولا وقعوا في الاقتداء بالكفار القائلين : إن علة خلق الله تعالى لما خلق إنما هي جوده حتى أوقعهم ذلك في القول بأنّ العالم لم يزل ، ولكن المعتزلة قوم معذورون بالجهالة عذرا يبعدهم عن الكفر ولا يخرجهم عن الإيمان لا عذرا يسقط عنهم الملامة لأن التعليم لهم معروض ممكن ، ولكن لا هادي لمن أضلّ الله عزوجل. ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : والمانع لهم من ذلك وجهان :
أحدهما : أنه تعالى لم يسمّ بذلك نفسه ولا وصف به نفسه ، ولا يحلّ لأحد أن يتعدّى حدود الله تعالى ، لا سيما فيما لا دليل فيه إلّا النص فقط.
والوجه الثاني : أنّ الجود ، والسخاء ، في لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى ، وبها نتفاهم مرادنا إنما هما لفظان واقعان على بذل الفضل عن الحاجة ، لا يعبّر بلفظ الجود والسخاء إلّا عن هذا المعنى ، وهذا المعنى مبعد عن الله عزوجل ، لأنه تعالى لا يحتاج إلى شيء فيكون له فضل يبذله ، فيسمّى ببذله له سخيّا ، وجوادا ، ويوصف من أجل ذلك بجود وسخاء. أو يكون بمنعه بخيلا ، أو شحيحا ، أو موصوفا ببخل أو بشحّ.
قال أبو محمد : ولا يختلف اثنان من كل من في العالم في أن امرأ له ماء عذب حاضر كثير ، لا يحتاج إليه ، وطعام عظيم فاضل به إليه ، ورأى رجلا من عرض الناس ، أو عبدا من عبيده يموت جوعا أو عطشا فلم يسقه ، ولا أطعمه فإنه في غاية البخل والشح ، والقسوة ، والظلم ، والله تعالى يرى كثيرا من عباده ، وأطفالا من أطفالهم لا ذنب لهم ، وهم يموتون جوعا أو عطشا ، وعنده مخارج السماوات وخزائن الأرض ، ولا يرحمهم بنقطة ماء ، ولا لقمة طعام حتى يموتوا جوعا وعطشا ولا يوصف لذلك ببخل ، ولا بظلم ، ولا بقسوة بل هو أرحم الراحمين والرحمن ، والكريم ، الذي لا يظلم ، ولا يجور ، كما سمّى نفسه ـ فبطل قياسهم الفاسد في الصفات الغائب على الشّاهد ، وبطل أن يوصف الله عزوجل بشيء من كل ذلك ، وليس لأحد أن يحيل الأسماء اللغوية عن موضعها في اللغة إلا أن يأتي نصّ بإحالة شيء من ذلك عن موضوعه فيوقف عنده ، ومن تعدّى هذا الحكم فإنه مبطل للتفاهم كله ، نعم ، وللحقائق بأسرها ،