(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [سورة النحل : ٣٦].
قال أبو محمد : فآخر هذه الآية تبين أوّلها وذلك أن الله تعالى أيضا لم يكذبهم فيما قالوه من ذلك بل حكى عزوجل أنهم قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة النحل : ٣٥] ولم يكذبهم في ذلك أصلا بل حكى هذا القول عنهم كما حكى تعالى أيضا قولهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [سورة لقمان : ٢٥] ولو أنكر عزوجل قولهم ذلك لأكذبهم فإذ لم يكذبهم فلقد صدقهم في ذلك والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فإن اعترضوا بقول الله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [سورة الأنعام : ١٤٨ ـ ١٥١].
قال أبو محمد : إنما تلونا جميع الآيات على نسقها في القرآن واتصالها خوف أن يعترضوا بالآية ويسكتوا عند قوله «تخرصون» فكثيرا ما احتجنا إلى بيان مثل هذا من الاقتصار على بعض الآية دون بعضها من تمويه من لا يتقي الله عزوجل.
قال أبو محمد : فهذه الآية من أعظم حجة الله على القدرية لأنه تعالى لم ينكر عليهم قولهم ولو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ولو أنكره لكذبهم فيه وإنما أنكر تعالى قولهم ذلك بغير علم وإن وافقوا الصدق والحق كما قدمنا آنفا وقد بين تعالى أنه إنما أنكر عليهم ذلك بقوله عزوجل في الآية نفسها (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).
ثم لم يدعنا تعالى في لبس من ذلك بل وأتبع ذلك نسقا واحدا ، بأن قال : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
فصدقهم عزوجل في قولهم أنه لو شاء ما أشركوا ولا آباؤهم ولا حرموا ما حرموا ، وأخبر تعالى أنه لو شاء لهداهم فاهتدوا وبين تعالى أن له الحجة عليهم في ذلك ولا حجة لأحد عليه تعالى ، وأنكر عزوجل أن أخرجوا ذلك مخرج العذر